لايدرك قيمة النصر في السادس من أكتوبر إلا الذين رأوا بأعينهم الانكسار في عيون ووجوه الضباط والجنود العائدين من نكسة يونيو1967 وهي وجوه ظلت شاردة عن الحياة طوال الفترة ما بين انكسار الهزيمة وعودة الروح بنصر أكتوبر.. فلم يكن نصر أكتوبر مجرد نصر عسكري علي عدو فحسب بل كان نصرا علي هزيمة الروح وانكسار الهزيمة واحاسيس المهانة.. كما ان هزيمة67 ليست بالمقاييس العسكرية والمعنوية لدي الضباط والجنود هي هزيمة في معركة شريفة بين طرفين ولكن في العقيدة العسكرية كانت عارا بكل الاعتبارات لان طبيعة الجندي تجعله يصبو إلي ان يموت في ساحة المعركة واقفا شامخا وهو يقاتل لان أن يقتل وهو مكتوف الايدي مكبل الفعل دون ان يطلق طلقة واحدة من سلاحه.. ولهذا كان لابد من اعادة بعث الروح القتالية لدي المقاتل المصري وغرس الثقة مرة اخري في قيادته وهو ما نجحت فيه حرب الاستنزاف وصولا إلي حرب أكتوبر المجيدة. وفي الحقيقة اننا في الوقت الراهن احوج ما نكون إلي روح اكتوبر وإلي اعادة البعث لهذه الروح مرة أخري لاننا امام عدو من نوع اخر ومختلف وقد يكون اشرس من مواجهة عدو في ساحة قتال يمكنك ان تري نقاط ضعفه بسهولة ويسر.. اما الآن فنحن بصدد عدو اخر يسكن بداخلنا يتطلب ان نبذل جهدا لنراه ونتحسسه بنظرة ثاقبة ومتأنية إلي الذات دون مجاملة أو مواربه. ومما لاشك فيه اننا امام معركة لاتقل أهمية عن معركة اكتوبر وهي معركة البحث عن الذات وخطورة هذه المعركة في كون الهزيمة تعني ضياع مستقبل هذا الوطن والقضاء علي ما تبقي من روح الانتصار.. وهي معركة تتطلب منا جميعا تجنب روح التعارك التي تطفو علي الساحة والتي حولت مصر إلي ساحة تعارك وتراشق واصبح المشهد اليومي صراعا ما بين الحاكم والمحكوم وبين اخوان وسلفيين وإسلاميين وليبراليين وبين سلطة قضائية وسلطة تشريعية وبين مواطن ومواطن وبين إعلام ومحاولات تكبيله وبين وقفات فئوية في كل بقاع مصر واقتصاد ينزف ليلا ونهارا. وكلها عوامل ادت في النهاية إلي تجهم المواطن واصابته بالاكتئاب للواقع الذي يعيشه واصبح المواطن يصارع من أجل البقاء ساعيا إلي الخروج الآمن من كل هذه الصراعات المتزايدة والمستمرة بالاضافة إلي ما يحمله كاهله من معاناة يومية تبدأ برغيف الخبز مرورا بالبحث عن اسطوانة غاز وانتهاء بمعاناته مع وسائل المواصلات والرعاية الصحية.. فصار عنوان المشهد اليومي ان مصر تتعارك مع نفسها. [email protected] رابط دائم :