ذات يوم أعلن مسئولون في المهرجان السينمائي للطلاب في اسرائيل عام2008 أن السينمائي الفرنسي السويسري جان لوك جودار الذي يعد واحدا من أهم أقطاب الموجة الجديدة في السينما الفرنسية في ستينيات القرن الماضي ألغي مشاركته في المهرجان لهذه السنة تضامنا مع فلسطين. وسبق لجودار ان استضافة الشاعر الراحل محمود درويش في فيلمه موسيقانا اضافة إلي مناقشته موضوع الفلسطيني عبر الصورة والذاكرة هذا الفيلم. وأعلن الاسرائيليون خاب أملنا لأنه يبدو انه انصاع لضغوط مجموعات مؤيدة للفلسطينيين تقوم بحملة لمقاطعة اسرائيل. انه المخرج جان لوك جودار الذي رفض الذهاب لإسرائيل لحضور مهرجان حيفا السينمائي تضامنا مع الشعب الفلسطيني وصاحب المواقف الشهيرة مع الجزائر في حرب تحريرها الخالدة وأول من قام بتصوير فيلما عن الثورة الفلسطينية علي أرض فلسطين تحت عنوان ثورة حتي النصر نقدم له حديثا سابقا مع صحيفة ليبراسيون يعلن فيه عن مواقفه من العالم والسينما وحتي كرة القدم التي يعشقها كأحد رموز الثقافة الفرنسية المؤيدة لنضال الشعوب بمن فيها الشعب الفلسطيني. من النادر أن يتحدث جان لوك جودار إلي الصحافة وحين يحدث ذلك فمن المحتمل أن يكون الحديث عن كرة القدم مثل الحديث عن الفيلم. وفي مقابلة نادرة يكتشف الصحفي جفري ماكناب بأن أبو الموجة الفرنسية الجديدة لم يفقد أيا من طاقاته. كان مساء منعشا وكان جان لوك جودار يجلس أمام حوض سباحة يدخن السيجار متحدثا عن كرة القدم, إذ ان فيلمه( موسيقانا) الذي قدم عام2004 قد تضمن اشارة إلي المباراة الشهيرة في( ويمبلي) في عام1953 حين هزمت المجر( المجريون العظماء) انجلترا بقيادة( بيلي رايت)6 3. يفكر جودار في المباراة, ويبدأ, وهو محب مخلص لكرة القدم حين كان شابا, بذكر أسماء اللاعبين المجريين واحدا بعد الآخر. يقول: اتذكرهم جميعا عدا حارس المرمي كان هناك بوشكاش( القائد السريع) اللاعب اليمين بوزسيك, ساندور( الجناح المجنون), كوسيس( الرأس الذهبي). ويضيف أن اللاعب( ستانلي ماثيو) هو اللاعب الانجليزي الوحيد الذي بقي في ذهني. يصف جودار مشاهدته الأولي للفريق المجري الذي أحدث ثورة في كرة القدم العالمية كونها اكتشافا مثل الرسم الحديث. ويشير إلي أن أغلب اللاعبين المجريين كانوا من نادي هونفيد وهو نادي الجيش. كان البلد يرزح تحت الاحتلال السوفيتي. ومع ذلك, قدم بوشكاش( وهو ضابط في الجيش) وزملاؤه اللعبة بأسلوب حر عجيب غير مألوف يتعارض مع صرامة الحياة اليومية ما وراء الستارة الحديدية. ويضيف جودار بأن الفريق الوحيد الذي يقترب من المجر أيام بوشكاش كان فريق أياكس أمستردام خلال عهد كرويف كل لاعب يلعب في الدفاع والهجوم يشبه الأمر موسيقي الجاز الحر. بلغ جودار الثمانين من عمره في يناير الماضي. وفي خريف عمره يبقي جودار عنيدا مشاكسا كما كان عهده دائما. وليس من الغريب إلي حد ما أنه دائما في الاتجاه المعاكس ولديه قابلية غير محدودة في مفاجأة النقاد والجمهور علي حد سواء. وفي مؤتمر صحفي حول فيلم موسيقانا أزعج الصحفيين بدعوة الناطق باسم اتحاد الممثلين والتقنيين الفرنسيين للصعود إلي المنصة ثم جلس هادئا بينما كانت شكاوي الاتحاد ضد الحكومة يجري طرحها بتفصيل تام. فجودار دائما في صف المطالبين بحقوقهم. إن فيلم موسيقانا ساخر وغنائي ومربك. وهو فيلم نموذجي لجودار: جزء منه مقالة وجزء آخر تأمل شعري. ينقسم الفيلم إلي ثلاثة أجزاء ويبدأ بمونتاج سريع لسلسلة لقطات عادية من أفلام وثائقية وحربية مصنوعة في هوليوود. وهذا المقطع يدعي الجحيم ويستمر لمدة سبع دقائق ويستعمل جودار مقولات من الفيلسوف مونتسيكيو لوضع الصور في سياقها: بعد الطوفان العظيم ظهر الرجال من الأرض وبدأوا يقتلون أحدهم الآخر وترافق مشاهد المعركة لقطات للبطاريق والقرود. ثم يأتي الجزء من الفليم الذي يطلق عليه المطهر الذي يعود فيه جودار إلي سراييفو وهي المدينة التي تظهر في فيلم سابق له بعنوان موزارت الخالد1996, انه يتجول عبر المدينة ويلتقي بالصحفيين والأكاديميين ويناقش السياسة والتاريخ ونسمع تعليقات كيف أن التاريخ كتبه المنتصرون. هناك ممثلون يؤدون شخصيات خيالية وناس حقيقيون( من بينهم جودار) يمثلون بأنفسهم. هناك صورتين شبه متطابقتين للفلسطينيين والاسرائيليين علي ساحل البحر نفسه, لكن سياق هاتين الصورتين مختلف تماما. إحداهما عن النصر, والأخري عن الهزيمة. نسمع مقتطفا من أندريه مارلو: الناس أصحاب روح الشفقة لا يبدأون الثورات, إنهم يفتحون المكتبات. ونري أيضا جسرا في موستار الذي يعد تدميره عام1993 الحدث الأسوأ للحرب في البوسنة. وأعيد بناء الجسر من جديد الآن, وسط الكثير من الحديث عن أمل الانتصار علي البربرية. يقول جودار: اعتقد أن سراييفو هي المكان الأمثل لتصوير الفيلم الذي أرغب بتصويره. إنها المكان النموذجي للمطهر. والجزء الأخير من الفيلم يصور الفردوس, لكن بأسلوب ساخر جدا. والفردوس هو مكان خصب في الغابات يحرسه المارينز الأمريكان. [email protected]