لم يكن عبد الكريم ابن عائلة مرجان بمنطقة البشارية بأسوان يتوقع أن يتسبب لعب الصغار في ارتكابه جريمة قتل تنتهي بدخوله السجن والتربص به بعد خروجه من أجل الثأر لولا تدخل أولاد الحلال الذين نجحوا في وأد فتنة الدم قبل انتشارها بالمنطقة المعروفة بقلب مدينة أسوان, فيما هو معروف بالقودة. ووسط نحو5 آلاف مواطن احتشدوا داخل وخارج سرادق ضخم ضم القيادات المختلفة بمحافظتي أسوان والأقصر تعلقت الأنظار ببعبد الكريم وهو يقطع مسافة لاتقل عن150 مترا حاملا كفنه علي يديه.. عاري الرأس, حافي القدمين يحيط به رجال المباحث ومعهم جوادو الخير الذين سعوا من أجل اتمام الصلح بين العائلتين مرجان والحصري, وما أن وصل صاحب القودة إلي المنصة حتي وقف أمام كبا ر عائلة القتيل الحصري معلنا تقدمه بنفسه, وجاء الرد سريعا عفونا عنك لوجه الله.. واليوم نتقبل العزاء, لتنطلق صيحات الحضور مهللة ومكبرة وسط نحر الذبائح ابتهاجا بالصلح, ليسدل الستار بذلك علي واحدة من حلقات مسلسل الثأر في الصعيد ومعها يصبح عبد الكريم أحد رجال عائلة من قتل ابنها ومايمسه يمسهم جميعا طبقا لتقاليد وعرف القودة. وعندما كان أطفال المنطقة يلهون معا أمام منازلهم في عام2005, وكالعادة لم يسلم الأمر من خلاف بين الصغار تدخل معه الكبار, وبدلا من أن يحكم العقلاء صوت عقلهم تصاعد السباب والتراشق بالكلمات إلي نوع آخر من الشجار انتهي بقيام عبد الكريم مرجان35 عاما بالتعدي علي أحمد مصطفي مراد20 عاما من عائلة الحصري ليسقط الأخير قتيلا ويحال الأول إلي المحاكمة في القضية رقم2616 لسنة2005 التي قضت بحبسه5 أعوام قضي منها نحو3 أعوام وخرج لحسن السير والسلوك, ليصبح مطاردا من عائلة القتيل التي رفضت تقبل العزاء إلا بعد الأخذ بالثأر تطبيقا للعرف الصعيدي والقصاص. وكما يقول الشيخ كمال تقادم رئيس لجنة المصالحات بمحافظة أسوان: إن اللجنة بذلت جهدا كبيرا من أجل اقناع أهل القتيل بقبول القودة والعفو عن القاتل حقنا للدماء البريئة, وقال إن مهمة اللجنة هو عقد الصلح في جميع القضايا والأزمات التي تخص جنوب الصعيد من خلال ماتضمه من رجال دين معروفين وقيادات شعبية مقبولة, وكذلك نشر روح التسامح والمحبة والتعاون بين جموع المواطنين بمختلف القبائل والعائلات وبما يعود بالنفع علي كل فرد تحقيقا لسنة الرسول عليه الصلاة والسلام. ومن جانبه أكد محافظ أسوان مصطفي السيد الذي كان علي رأس الحضور وبرفقته اللواء بكري النجار مدير الأمن أن مصر تحتاج في هذه المرحلة المصيرية إلي التكاتف والألتفاف حول هدف واحد, من أجل إقامة دولة ديمقراطية حديثة تحترم الحريات والحقوق والواجبات, وهذا لن يتأتي إلا بالسعي للصلح ووحدة الصف بين أفراد المجتمع و تحقيق الوئام وتصفية النفوس والإصلاح بين الناس, و أشاد المحافظ بنجاح الجهود المتميزة لرجال الأمن والمشايخ في التوفيق بين العائلات المتخاصمة, لوقف إراقة الدماء وتحقيق التسامح بين ابناء المجتمع الواحد, وأكد أهمية انهاء مثل هذه الخصومات ونبذ الخلافات وردم بؤر الدم, تطبيقا للمعاني السمحة للأديان السماوية, كما دعا المحافظ جميع الأطراف المتخاصمة بالمحافظة إلي الالتفات إلي صوت العقل والتفرغ إلي العمل المثمر فقط, خاصة في تلك المرحلة التي يمر بها الوطن للانطلاق نحو التنمية والمستقبل.