يصف نفسه ربما من باب تواضع العلماء بأنه كاتب إسلامي ولو أن الحقيقة هي أنه مفكر إسلامي معاصر من طراز رفيع كرس قلمه واعمل عقله في بحر الإسلام الواسع منذ أكثر من نصف قرن, في عام1946 دعا الأستاذ جمال البنا الأخ الأصغر للشيخ حسن البنا إلي فهم جديد للدين في كتابه ديمقراطية جديدة ومع انتهاء الألفية الثانية كان الرجل يصدر للعالم دعوته للاحياء الإسلامي التي مطلبها الأول الحرية انطلاقا من أننا نطلب الحرية لأنها هي التي تمكننا من المطالبة بما نريد وهي تحول دون وقوع عدوان عليها بحيث تظل المطالبة مسموعة وباقية علي حد قوله. وفي رحلته الحياتية التي جاوزت السبعين عاما فكرا وبحثا ونشر الكثير من الاجتهادات والرؤي التي أثار الكثير منها الجدل غير أنك لا تملك وان اختلفت معه إلا أن تحترم اطروحاته القائمة علي الحرية والباحثة عن العدل والساعية لعودة إسلام الإنسان جوهر مشروعه للإحياء الإسلامي في الألفية الثالثة وفي داره بأحياء مصر الإسلامية العتيقة كان لنا معه هذا الحوار: * الإسلام دين العالمية لا العولمة كما تقول ماذا يعني ذلك؟ هذا ليس من تعبيراتي بل من تعبيرات القرآن الكريم الذي تحدث عن رب العالمين وكلمة العالمين جاءت وتكررت في القرآن نتيجة لأمرين الأول هو أن القرآن يتحدث عن الكون بأجمعه سمائه وأرضه ونجومه وكواكبه من ناحية ويتحدث ايضا عن بني آدم أي البشرية كلها من ناحية ثانية, أما العولمة فهي فكر مجردة تستهدف جعل العالم سوقا والإنسان فيه مستهلك ويضحي في هذا السوق بكل الخصوصيات وتبقي المادية هي الحكم والمسيطر والسيف المسلط علي رقاب الإنسانية. * من جديد وبوصفك مفكرا إسلاميا.. لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ قبل أن يتساءل الأمير شكيب ارسلان علي هذا النحو تساءل قبله مال الدين الأفغاني وغيره من المفكرين السابقين واللاحقين وأنا اعزو هذه الظاهرة إلي سببين الأول هو سوء نظام الحكم, ففي حقيقة الحال الإسلام لم يعرف حكما إسلاميا حقا خلال ال1440 عاما إلا سنوات قليلة10 سنوات حكم الرسول وسنتين ونصف السنة حكم أبي بكر و10 سنوات عمر بن الخطاب وعندما طعن عمر طعنت الخلافة وطعنت الصورة المثلي للحكم الإسلامي سيما بعد أن حول معاوية بن أبي سفيان الخلافة إلي ملك عضود. أما الأمر الآخر فهو أن المسلمين أغلقوا الأبواب علي أنفسهم وانعزلوا عن العالم في حين أن الإسلام في مرحلته الحضارية الزاهية فتح الباب علي مصراعيه لمختلف العقائد حتي المخالفة للإسلام فتري جماعات أخوان الصفا في القرن الرابع يقولون الشريعة دنستها الجهالات وأودت بها الغشاوات ولابد من غسلها بالفلسفة اليونانية وقد قاموا علي أربعة مجلدات لرسائل اخوان الصفا ثم ترجموا التراث اليوناني,هذا الفكر لم يقابل بفكر المحتسب كما اليوم ولم يتهموهم أحد بالعمالة أو الخيانة لذا كانت الأمم تسارع للدخول في الإسلام لسماحته ورحابته, هؤلاء دخلوا حاملين معهم إرثا حضاريا فالحضارات مثل الوراثة البيولوجية تورث وبهذا اكتسب المسلمون حضارات وأفكارا وعلوما من جميع أرجاء الكون, أما في عصور الظلام فنري فكر الإبعاد والإقصاء هو السائد في نظر غالبة المسلمين. * من بين مايثير الجدل عند العامة في أقوالك انه إذا كانت العقيدة ثابتة فالشريعة متطورة..ماذا تقصد بذلك؟ كل النصوص عن الشريعة إنما نزلت لحكمة, هذه الحكمة هي العدل بصورة عامة, غير أن تطور الأزمنة وتبدلها يغير من أوضاع تلك الأحكام ويصبح ما أريد به تحقيق العدل عندما نزل النص لم يعد يحقق العدل في زمن تطورات المجتمع,عندئذ يكون علينا العودة الي الأصل الي السبب الذي نزل من أجله النص وهذا مافعله الخليفة عمر بن الخطاب عندما أوقف مصرف المؤلفة قلوبهم, ونفس الأمر عندما أوقف تطبيق الحدود في عام الرمادة, إذن هناك فهم للنص وليس إعمالا لحروف النص والقرآن يقول:والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا أي أنهم اعملوا التفكير لذلك أؤكد أن العقيدة شيء والشريعة شيء آخر. ماذا عن القول بوجود تضاد ما بين العقل والنقل في الإسلام كما يزعم بعض المفكرين الغربيين؟ العقل لايستطيع فهم العقيدة تماما فلو أن العقلد يستطيع أن يصل للصورة المثلي للنقل لما أرسل الله أنبياء أو رسلا ولاكتفي بالفلاسفة وهم ارقي من استخدم العقل, لكن العقل يقف عند باب الله تعالي لايستطيع أن يدخله أو يفهمه لان الله خالق الكون بأسره والكون بأسره ذرة في نظر الخالق لذا ليس من المعقول أن يتوصل لطبيعة الله ولايحيط بصفاته أو خصوصياته فلابد إذن من رسول من الله تعالي يعرف البشر بقدر مايستوعب العقل البشري عن الله تعالي وهذا مايقوم به العقل وتتكلم عنه العقيدة أما الشريعة فمجالها العقل كله. ماهي أبعاد مشروعكم الحضاري لدعوة الإحياء الإسلامي ويتمحور حول فكرة رئيسية هي الانسان المستخلف والبرهنة علي هذه الفكرة بدلائل من القرآن الكريم وتريد دعوة الإحياء العودة مرة أخري إلي اسلام الإنسان وتري أ روح العصر الحديث تساعد وتؤكد ضرورة إعادة تأسيس منظومة المعرفة الإسلامية علي أسس إسلام الإنسان وليس إسلام السلطان. ماذا عن المعالم الرئيسية لمشروع إسلام الإنسان كما ترونه؟ المباديء كلها موجودة في صميم القرآن, غير أن من أهمها: الأنسان المستخلف هو الغاية التي جاء لها الإسلام, فالإنسان هو الغاية والإسلام هو الوسيلة,المساواة في الحقوق والواجبات بين الناس جميعا وبلا استثناء هي أساس مجتمع الإنسان المستخلف والعودة الي القرآن الكريم باعتباره كتاب هداية والسنة يجب أن تضبط بضوابط القرآن واعتبار الحكمة أصلا من أصول الإسلام, ومن الأفكار التي قد يراها البعض مثيرة للجدل استبعاد فكرة أن الإسلام يسيطر علي كل شيء فالإسلام علي أهميته القصوي ليس إلا بعدا واحدا من ابعاد متعددة للحقيقة كالعلوم والفنون والآداب والفلسفة التي تنطلق كل من مطلقها الخاص وتقدم عطاءها الذي وان اختلف عن عطاء الدين فانه لا يزاحمه كما لايستبعده الدين, أضف إلي ذلك ان حرية الفكر والاعتقاد مطلقة والعلاقة مابين الأديان هي علاقة تعايش. * هل يعني هذا المشروع أن منظومة المعرفة في الإسلام القائمة الآن في حاجة لإعادة قراءة جوهرية؟ هذه صحيح الي ابعد حد سيما وان تلك المنظومة وضعت في ظل الدولة الإمبراطورية الإسلامية مثل العباسية. والتي عاصرها أحمد بن حنبل الذي عاش في زمن المأمون لذا أنا دائما أتساءل هل كان من الممكن لهؤلاء الائمة الذين وضعوا منظومة المعرفة الإسلامية أن يتحرروا من حكم وطبيعة تلك الدولة الإمبراطورية؟ بالطبع لم يكن ممكنا وإن كان بعضهم حاول وتعرض لخسف وعسف شديدين, هؤلاء وضعوا احكامهم في ظل دولة الخلافة الإمبراطورية فجاءت مجافية لأحكام القرآن والرسول ومطيعة لأحكام السلطان سواء بحسن نية أو بالضرورة, كل هذا التراث لا يمثل حاضر اليوم ولا يربطنابه شيء. لماذا نتقيد به إذا ونعطل عقلنا ونفكر بعقل الأسلاف والذين كانت تقتضي الضرورات أن يسافر أحدهم شهورا للبحث عن حديث واليوم تحصل من الانترنت علي ما تشاء بلمح البصر؟. * هل تخشي علي الإسلام من المؤسسات الدينية الإسلامية؟ ميزة الإسلام انه لا مؤسسة دينية له, الإسلام اختلف عن كل الأديان الأخري في أنه استبعد المؤسسة الدينية وندد بحكم الأحبار والرهبان وفي سنوات الإسلام الأولي في زمن الفكر الإسلامي النقي غير الملوث استعصي علي كل صور التطويع التي أريدت له من قبل الحكام والسلاطين. ليس في الإسلام رجال دين, بل رجال علم أو فقه أو شريعة. * في نظرك ما هي الآليات اللازم توافرها لقيام نهضة إسلامية عربية علي أبواب القرن الحادي والعشرين؟ في مجال الفكر والاعتقاد تأتي الحرية دون قيد أو شرط كآلية أولي, فحرية الفكر الديني بالنسبة للمجتمع كالهواء بالنسبة للفرد, إذا امتنع الهواء عن الفرد اختنق والقرآن الكريم في هذا السياق كان واضحا وضوح الشمس في ضحاها والقمر إذا تلاها فيقول فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وفي موضع آخر يقول أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين فالدين ليست مهمته أن يهدي الناس جميعا لكن مهمته أن يبلغ الناس جميعا والخالق سبحانه لن يضره أو يؤثر في ملكه لا إيمان المؤمنين ولا كفر الكافرين, هذا فيما يتعلق بحرية الفكر والاعتقاد. أما فيما علق بالعمل والدنيا فالشعار هنا هو العدل وليس الحرية, كانت النظرية الرومانية القديمة والرأسمالية الحديثة تري أن صاحب المال حر في أن يفعل بماله ما يشاء بمالي أفعل ما بدالي غير أن الإسلام رأي في ذلك خطأ فادحا, أنت لست حرا بالاطلاق في مالك أنت مخول باستخدام المال وعندما تسيء للانسانية به ومن خلاله لا يصبح لك حق فيه وهنا أتذكر مقولة ابن القيم الذي في إحدي لحظات الإلهام والتفتح قال تعريفا مثيرا ربط فيه بين العدل والشريعة وهو انه حيثما يكون العدل تكون الشريعة فإذا اختلطت الشريعة بما هو خلاف للعدل سواء بطريق التفسير أو التأويل أو بأي طريق آخر وجب علي هذا العنصر الدخيل الخروج فورا وإذا لم يدخل في الشريعة شيء من العدل فيجب إدخالها علي الفور. * كيف تقيم دور الأزهر عبر التاريخ وفي الآونة الأخيرة؟ مرت علي مصر أوقات كان فيها علماء الأزهر الزعماء الطبيعيين للشعب ولما وجدوا أن العهد التركي أضحي ظالما وطاغية قاموا عام1805 بتولية محمد علي الحكم وقد تقرب إليهم في باديء الأمر وانسوا فيه الاستعداد للتعاون معهم فخلعوا عليه خلعة الولاية علي أن يحكم بالعدل وألا عزلوه وحاربوا الوالي التركي وعندما بعث إليهم الباب العالي من يقول لهم وأطيعوا الله: أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم قالوا الطاعة بالمعروف وأنتم لا طاعة لكم في ظلمكم, غير غير أنه من أسف شديد بمجرد أن تملك فرق بين الأزهريين وأخذ يدس بينهم شيئا فشيئا وجردهم من الأوقاف بحيث بات الأزهر يتدحرج خطوة في خطوة إلي أن أصبح ملحقا للدولة.