في مكتبة الجامعة ببريطانيا, كنت أهرب أحيانا بعد قراءة مكثفة في أبحاث الكيمياء, إلي أرفف الدراسات العربية والإسلامية لأتنفس عبير التراث بين كتب التاريخ أو الشعر أو الأدب العربي. ثم أعود بعدها مجدد النشاط والهمة إلي كتب الكيمياء طالعني عنوان الكتاب العقل العربي فأثار فرحي وفضولي, فها هم أخيرا يحاولون فهمنا وما إن فتحت الكتاب وأطلعت عليه حتي احتواني تماما, فلم أعد مرة أخري خلال هذا اليوم إلي أرفف الكيمياء. الكتاب يتحدث عن تكوين العقل العربي, ويقول انه يتعين حتي نفهمه أن نتعرف علي مرجعياته وروافده التي تعود إلي الفكر والثقافة الإسلامية التي حملها شخص بدأ حياته كقاطع طريق وانتهي بأن أصبح نبيا!! ويتحدث عن أن العرب يضربون أمهاتهم ناهيك عن زوجاتهم وبناتهم, ولا يسمحون لنسائهم بأي حقوق اجتماعية أو فكرية ويتحدث الكتاب عن التمييز الديني ولا يسمحون لنسائهم بأي حقوق اجتماعية أو فكرية ويتحدث الكتاب عن التمييز الديني في مصر فيحكي حكايات لا يصدقها العقل. الكاتب الذي لا يستحق ذكر اسمه عنصري حتي النخاع والكتاب ملئ بقدر غير طبيعي من الأكاذيب والأباطيل والافتراءات علي كل المقدسات عند العرب, بدءا من عقيدتهم وحامل رسالتهم إلي عاداتهم وتراثهم. احسست كرئيس لاتحاد الدارسين المصريين بجامعة لانكستر التي ندرس بها, وقبلها كشاب عربي مسلم يدرس في هذه البلاد بمسئوليتي لمحاربة هذا الفكر الكاذب أعددت خطابا رسميا للجامعة مستفسرا عن وجود مثل هذا الكتاب في مكتبة الجامعة ومن الذي أحضره, ومطالبا باستبعاده وتحدثت إلي الدكتور واين المدرس بالجامعة والمتخصص في الدراسات العربية والإسلامية, والذي حظي باحترامنا جميعا لمحاضراته التحليلية الرصينة في الاسلام السياسي وفوجئت به يقول لي لا أوافقك إطلاقا علي المطالبة باستبعاد الكتاب, لأنك بذلك سوف تلفت اليه الأنظار, وسيقرأن كل من يود معرفة اسباب استبعاده, لماذا لا تحول الأزمة لفرصة, إن وجود مثل هذا الكتاب يعطيك مساحة رائعة للرد علي ما جاء به من أكاذيب, وتصحيح المفاهيم الخاطئة عن العرب والإسلام, والتدليل علي أنه مكتوب من منظور عنصري خالص. إن الطريق الوحيد لمحاربة هذه الأكاذيب هو إظهار الحقائق, فيمكنك تأليف كتاب مضاد أو الكتابة في مجلة الجامعة أو توجيه الدعوة إلي مؤلف الكتاب لمناظرته امام الجميع, أما أسلوب منع الآخر من الحديث فهو أسلوب غير مقبول في هذه البلاد ربما في كل بلاد الغرب. قمت من خلال اتحاد المصريين بالكتابة إلي المؤلف داعيا إياه لمناظرة حول كتابه, وعارضا عليه إرسال بطاقة السفر بالطائرة ذهابا وإيابا ليأتينا من موطنه ويعود اليه لم يرد علي مخاطبتي ابدا. علم بعض من زملائنا الإنجليز بأمر الكتاب ودعوتنا للكاتب فوجهوا الدعوة لنا للحديث في الكنيسة, تحدثنا عن الثائر الذي رفض نظم الحياة المعوجة في شبه الجزيرة العربية, فثار علي ممارسات الرق والاستعباد, وجاء حاملا رسالة تحض علي نظام اجتماعي يدعو للعدل والمساواة, ينادي بالديمقراطية ويطبقها في المسجد خمس مرات كل يوم, عندما يسجد القروي البسيط والأمير المهيب جنبا إلي جنب, يخفضان الجباه لرب العباد, اعترافا بأن الله أكبر فيتحولان إلي أخوة في الدين في مساواة عجيبة بين البشر. وجاءت الرسالة بمواثيق مكتوبة تنظم العلاقات الإنسانية, وتحدد أركان الشعائر والعبادات لإله واحد في السماء وتنبذ عبادة الأصنام الصماء, فتغيرت أحوال العرب, وتبدلت أفكارهم, وترسخت قيم العدالة وحقوق الإنسان واحترام المرأة في مجتمعات بدائية فقيرة ملك الدين الجديد نفوس الناس في مكة والمدينة وتجاوزها ليحقق مبادئ الحق والعدل بنفس الروعة والقوة في نفوس الهنود والأفارقة والأتراك وغيرهم كثيرون, واستطاع المسلمون الصمود يدا واحدة في مواجهة فتنة الإيمان رغم مرور اربعة عشر قرنا من الزمان. كان الكلام ملفتا بل مثيرا, فتكررت دعوتنا في المحافل الثقافية, وصلت فكرتنا دون أن نحرق الكتاب أو نحطم المكتبة أو نعطل الدراسة قرأت لنفسي واستوعبت وتأملت وجدت حامل الرسالة زعيما دينيا وقائدا سياسيا وبطلا عسكريا في آن واحد, حصيفا فصيحا بليغا جريئا رحيما, ولم تكن لديه عجرفة الزعماء, ولا امتلك فيالق القياصرة, أو القصور المشيدة, أو حتي عائدا ثابتا, فهل هناك حاجة أكثر من ذلك لدليل انه كانت هناك قدرة إلهية تلهمه وترعاه وتدعمه وتحميه! في الدنيا عقلاء ومنصفون, فهناك من رأي( وهو علي غير دين الإسلام) أن رسول المسلمين هو الأعظم في تاريخ البشرية, فهو الوحيد الذي حقق مشروعا متكاملا, من الفكرة حتي التطبيق وهناك ايضا مخبولون ومرضي القلوب الذين يتطاولون بغير الحق علي دين موصول بما جاء من قبله من رسالات ورسل, ومكمل لما سبقه من ديانات وكتب, وجاء رسوله ليتمم مكارم الأخلاق. سنرد علي الظالمين بالحكمة والموعظة الحسنة, وإذا خاطبنا الجاهلون سنقول سلاما. جامعة الإسكندرية