كل مال أو كسب لايكون عن طريق مشروع أحله الشرع فهو حرام وهي قاعدة عامة علمنا الشرع والسنة إياها, بحيث يتحري المسلم أن يكون كل كسبه ومايؤول الي ملكه آتيا من طريق يرضي عنه الله ورسوله وذلك أن الله كما قال النبي صلي الله عليه وسلم الله طيب لايقبل إلا طيبا وقد أمر بأكل الطيب والانفاق الطيب والتصدق الطيب, وأن يعيش الانسان وكل ماتحت ملكه من الطيبات, ولذلك يأتي التحذير من الحرام كله حتي إن الرسول صلي الله عليه وسلم هيأ لنا في أحاديث كثيرة أن الله لايقبل الدعاء ممن يأكل الحرام, ولايقبل الصلاة ولا الزكاة ولا الصدقة ولا الحج, ويجعل مآل صاحب الحرام الي النار,إذن فنحن مأمورون بأن نبحث عن الطيب في كل شئ ونتجنب الحرام في كل شيء,بهذا يستهل الدكتور عبد الحميد مدكور أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة كلامه عن أكل أموال الناس بالباطل. كما يذكر أيضا أن صور أكل أموال الناس بالباطل كثيرة ولم يذكرها الشرع معدودة محددة كي يظل التحذير من أكل الحرام شاملا كل مايجد أو يظهر في حياة الناس من صور أكل أموال الناس بالباطل, وعندما ننظر في حياة الناس ونطبق عليها الحلال والحرام,فإن كان حراما فهو حرام عند الله, وإن كان حلالا طيبا فهو مقبول عند الله. ومن هذه الصور الكثيرة وأكثرها تأثيرا في حياة الأفراد والمجتمعات هي الرشوة التي يتقدم بها صاحبها لكي يأخذ ماليس حقا له فهو يريد أن يأكانت مالا حراما ويقدم للمرتشي مالا حراما أيضا وإذا كان هناك واسطة بين الراشي والمرتشي فهو أيضا يأكل حراما لذلك قال النبي صلي الله عليه وسلم لعن الله الراشي والمرتشي والرائش( أي الواسطة بين الراشي والمرتشي) وايضا من صور أكل أموال الناس بالباطل, أكل أموال الضعفاء كاليتامي والفقراء الذين لايستطيعون الدفاع عن حقهم أو الوصول اليه كل مايؤخذ غصبا بالقوة والاقتدار فلا يستطيع صاحبه الدفاع عنه,وهذا يتحقق مثلا في الأراضي سواء التي ملك للأفراد أو ملك للدولة فهذا حرام قال النبي صلي الله عليه وسلم من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أراضين وهناك الغش في الكيل والميزان والصناعة حرام ويخرج صاحبه من أن يكون جديرا من أن ينسب الي مجتمع المسلمين قال النبي صلي الله عليه وسلم من غشنا فليس منا وهذا النوع من الغش فيه حرمة شديدة ويذكر كذلك الربا والغش في الأوراق التي تقدم الي القضاء ويحكم بمقتضاها لانسان علي آخر دون وجه حق والقاضي هنا ليس آثما لانه لايعلم لانه يحكم بما يقدم اليه من أوراق فإن خدعه أحد الخصوم فالإثم علي الذي خدع القاضي, كما حذرنا النبي صلي الله عليه وسلم من ذلك وقال إنما أنا بشر وإنكم تختصمون الي ولعل بعضكم أن يكون ألحم بحجته( فصيحا في الكلام) من بعض فأقضي له علي نحو ما اسمع, فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه فإنما اقطع له قطعة من النار. وأيضا الذي يتفق مع عامل علي عمل ثم لايعطيه حقه الذي اتفق عليه شركاء في شركة اتفقا علي كل شروطها ولكن واحدا من الشريكين يخون صاحبه فيأكل ماله بغير حق. ويشير الي ان شخصا عليه دين لشخص آخر واتفق علي موعد معين لسداد الدين ثم جاء وقت السداد وهو قادر علي تسديده ولمنه يؤخره عن الميعاد قصدا وعمدا فهذا حرام لانه يحرم صاحب الحق من الانتفاع بحقه. الموظف أو العامل الذي يوكل اليه عمل فلايعمله ولكن يؤجله قصدا وعمدا فهذا يأخذ راتبا من غير عمل فهو أيضا أكل أموال الناس بالباطل ووضح أن العقاب الشديد يصل إلي حد اللعنة إن الله يلعنه أي الطرد من رحمة الله تعالي, وعدم قبول الأعمال التي هي في ذاتها صالحة, ولا يقبل دعاءه ولا صلاته لأن الله تعالي قال يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا سعد بن أبي وقاص قال للنبي صلي الله عليه وسلم ادع الله لي أن أكون مستجاب الدعوة, قال النبي: أطب مطعمك تستجب دعوتك إذا اغتصب أرضا أو مالا حراما سيطوقه الله به يوم القيامة تحت سابع أرض. ويلفت النظر إلي فساد الخلق وضعف الايمان والجرأة علي حدود الله وعدم الخشية من عذاب الله, فعلي الناس أن يعلموا أن الله سيحاسب كل انسان علي ما اكتسب, وسيكون من أهم الاسئلة التي توجه للانسان بين يدي الله يوم القيامة أن يسأل عن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ فإن كان من حرام سيحمل من رقبته, علي الناس خشية الله لأنه لا يخادعه أحد ولا ينجو بين يديه إلا الصالحون جالبو الحلال وعملوا الصالحات وتجنبوا الحرام والسيئات كما قال أيضا إذا كان صاحب المال متهاونا في الدفاع فهو أيضا مسئول فإن ذلك يسهل للمعتدين أكل ماله واغتصاب حقه, والنبي صلي الله عليه وسلم جاء له رجل فقال: يا رسول الله أرأيت إن جاء إلي أحد يريد أخذ مالي قال صلي الله عليه وسلم : لا تعطه مالك, فقال الرجل: فإن قاتلني؟ قال صلي الله عليه وسلم : قاتله, قال الرجل: فإن قتلته؟ قال صلي الله عليه وسلم : فهو في النار, قال الرجل: فإن قتلني؟ قال صلي الله عليه وسلم : فأنت شهيد. ويدافع صاحب الحق عن حقه قدر ما يستطيع لأنه لو لم يفعل ذلك فإنه يسهل أكل أموال الناس بالباطل وإضاعة الحقوق وإشاعة الفوضي ونشر الحرام بما يذهب البركة من الأرزاق والأموال وبما يؤدي إلي سوء عيش الناس وضيق أحوالهم وعدم الطمأنينة علي حقوقهم وأموالهم. ويقول الدكتور ناصر وهدان أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة قناة السويس من صور أكل أموال الناس بالباطل: تغيير مصدر البضاعة ومنشئها, طلبا للربح الوفير علي الرغم من رداءة الصنعة, وفي وسائل الإعلام فمن المؤلم أن القائمين علي العمل في وسائل الإعلام وخاصة في كثير من الفضائيات والقنوات الدينية يأكلون أموال العاملين معهم وكذا الضيوف علي سواء, وحين يسألونهم عن رواتبهم وما وعدوا من مستحقات مالية, يقولون لهم: لتكن أعمالهم حسبة لله تعالي! وعندما تقول لهم: لماذا لا يكون عملكم بدون مقابل وحسبة لله مثلنا؟! يقولون نحن حالة خاصة مع أنهم يحققون مكاسب مالية طائلة مع طلعة يوم وغروبه, من صور أكل أموال الناس بالباطل مطاردة بعض الأفراد لك من خلال رقمك الجوال أو عن طريق الانترنت من خلال بريدك الإلكتروني مطالبين إياك بإرسال مبلغ كبير من المال علي رقم شخص مجهول داخل البلد أو خارجه حتي يتسني لهم إرسال الجائزة الوهمية المالية الكبري إليك, وبعد إرسال المبلغ المطلوب مع رقم حسابك البنكي إليهم, تكتشف أكذوبة الجائزة الكبري التي وعدوك بها أنها مجرد سراب واختراق لحسابك البنكي, والاستيلاء علي أموالك بالباطل ليس غير. من المؤسف أن أسأليب أكل أموال الناس بالباطل كثيرة, ويتفنن الناس بها في هذه الأيام بسبب ابتعادهم عن مواصفات الإيمان الحق, وهي تشمل كل طريقة لتداول الأموال بينهم بطريقة غير مشروعة, ومنها: الغش والسرقة والاحتيال والرشوة والقمار واحتكار الضروريات لإغلائها وجميع أنواع البيوع المحرمة, وعلي رأسها الربا, بل هو أشد الوسائل أكلا للأموال بالباطل. قال تعالي:( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك علي الله يسيرا){ النساء:29}. بقية أكل أموال الناس بالباطل