اخترت كلمات ثلاث لأعوام ثلاثة متتالية,أعرضها علي القراء مع حيثيات الاختيار لعلها تحظي بقبولهم والله لأسيرن الي البيت العتيق حتي أهدمه وسار أبرهة الأشرم, بجيش عظيم تتقدمه فيلة كبيرة لتدمير الكعبة. ولكن الأفيال أحجمت عن التقدم صوب الكعبة رغم ضربها ونهرها, فإن وجهوها نحو اليمين هرولت, وإن وجهوها نحو الكعبة أحجمت وتراجعت,وجاءت طيور أبابيل بحجارة من سجيل فجعلت جيش أبرهة كالعصف المأكول, وسمي هذا العام بعام الفيل. وقد أطلق العرب أسماء علي بعض السنين بدلالة ماجري بها من عظائم الأمور, فهناك علي سبيل المثال ( عام الحزن) الذي توفي فيه عم الرسول ثم زوجته( العام الثالث قبل الهجرة) وعام الوفود حيث جاء مايزيد علي سبعين وفدا الي المدينةالمنورة ليدخلوا في دين الله أفواجا(9 ه) وعام الرمادة حيث جفت الأرض واسودت من قلة المطر حتي صار لونها شبيها بالرماد(18 ه). وقد اهتم المفكرون والمؤرخون واللغويون في العديد من بلاد العالم باختيار كلمات دلالة لكل عام الكلمة المختارة قد تكون من وحي الأحداث أو الأفكار, أو قد تكون صرعة جديدة أثرت في حياة الناس خلال العام أو خلال حقبة من الزمان. وتطور الأمر حتي بات اختيار كلمة العام يجري بعناية من خلال عمل جماعي منهجي له نظمه وطرقه وأسسه العلمية فالكلمة المختارة هي خلاصة تجربة العام, ذكرها يعيد الي الأذهان مواقف وأحداثا ودروسا وعبرا. أمريكا اهتمت بتسمية الأعوام,والعقود والقرون, فالقرن الفائت عندهم هو قرن الجاز نسبة الي صرعة الموسيقي المحمومة التي ابتدعها الأمريكان وغيرت أذواق الناس. والعقد الماضي كان عقد( هي) نسبة الي حركات المرأة التحررية حول العالم. أما العبارة المختارة لعام2011 م بأمريكا فكانت الربيع العربي في إشارة متخطية الحدود إلي ثورات الشعوب الساعية للعيش الكريم والتي مست وجدان الناس في الدنيا كلها, فكان هذا العام هو عام الشعوب العربية بامتياز. وفي فرنسا يعقدون مهرجانا سنويا, ويستفتون الناس( من خلال شبكة الإنترنت وإذاعة فرنسا الدولية وقناة تي في فايف) لتختار الكلمة التي تعبر عن أبرز الأحداث التي مست حياتهم خلال العام في2011 م كانت كلمة إرحل التي رددها الثوار في الفضاء العربي هي كلمة العام للفرنسيين!! وفي2012 م اختار المشاركون في التصويت( من مختلف مدن فرنسا ودول أوروبا والعالم) كلمتين لتكونا العلامة المميزة للعام, أولهما كلمة تويتر المشتقة من فعل تغريد والتي أصبحت رمزا للثورة الرقمية وأداة التواصل بين بني البشر,والثانية كلمة تغيير التي كانت شعار اليسار الفرنسي أثناء حملة انتخاب رئيس الجمهورية عندهم. اختيار كلمة العام ليس ترفا كما يؤكد الأستاذ فهمي هويدي لكنه أسلوب غير مباشر لاستخلاص العبرة وفهم الواقع وتشخيص طموحاته. اختيار كلمات الدلالة للأعوام التي تمر بمصر يكاد يكون أمرا صعبا في أجواء الاستقطابات والانفعالات والتجاذبات الراهنة. ولكنني اخترت كلمات ثلاثة لأعوام ثلاثة متتالية,أعرضها علي القراء مع حيثيات الاختيار لعلها تحظي بقبولهم. * كلمتي المختارة لعام2010 م هي الفيس بوك فهذه الكلمة مثلت شرارة الثورة وأداة التواصل وخطاب الدعوة ومنشورات الحماس بين الشباب, وحين قطع الحكام الاتصال الإلكتروني ليطفئوا الثورة ازدادت اندلاعا وأحرقت نظاما تصور أنه راسخ عبر الزمن, بل وممتد الي أجيال تالية. الطريف أن الكلمة دخلت قاموس الفكاهة, ففي استفسار من الرؤساء الأسبقين الذي انتهت ولايته أخيرا عن سبب انتهاء حكمه, ما إذا كان بالسم(حالة عبد الناصر المشكوك فيها) أو في المنصة( حالة السادات المؤكدة)فكانت الإجابة لا هذا ولا ذاك بل الفيس بوك!!إنها الكلمة السحرية التي غيرت حياتنا الاجتماعية والسياسية. * كلمتي المختارة لعام2011 م تنافست بشدة مع كلمات كثيرة تصلح لذلك العام الكبيس,فهو يمكن أن يكون عام الشهداء/ الثورة/ الشعب/ المليونيات/الرحيل/ الفوضي أو عام الغدر ولكن انحاز عقلي إلي عام الجمل لأن التاريخ سوف يذكر أنه في هذا العام حدثت موقعة فاصلة وكاشفة فاصلة حين فشل النظام أن يضرب ضربته القاصمة ويجهز علي الشباب المارق في الميدان, وكاشفة لأنها بينت غدر النظام الذي مس مشاعر الناس تمسحا بالدفن تحت تراب الوطن, ثم انقض عليهم في اليوم التالي مقتحما الميدان بالجمال زائد البغال والبلطجية والشبيحة والقناصة كشف المشهد الشاذ عن استخدام النظام المتهاوي لأدوات القرون الوسطي في زمن الإنترنت فكان التناقض زاعقا. وكما اندحر أصحاب الفيل في عام569 م اندحر اصحاب الجمل في2011 م. *مازلت في انتظار ماتأتي به الأيام لعام2012 م ولكني أميل الي تسميته عام الدستور فالدستور هو موقعة هذا العام التي تتناحر فيها كل القوي السياسية في مصر, موقعة الشريعة, مبادئها أم أحكامها, مكانة العسكري يحمي الدستور أم يحتمي بالدستور, المحكمة الدستورية فوق القوانين أم تخضع للقوانين, إنه عام الدستور. سينقضي هذا العام بتحولاته وتفاعلاته وإرهاصاته, وتأتي أعوام جديدة فهل تكون اختياراتي للأعوام الثلاثة التالية هي أعوام البناء والازدهار والرخاء, أم تراني حالما يا عزيزي القاريء؟ جامعة الإسكندرية