يقول جورج مارسيز:إن كتاب ابن خلدون( المقدمة) هو أحد أهم المؤلفات الي أنجزها الفكر الإنساني جاءت مقدمة كتاب العبر وديوان المبتدأ والخير والمعروفة ب مقدمة ابن خلدون لتؤسس لعلم الاجتماع, وكان مؤلفها يعرف أنه يؤسس لعلم جديد, يقول: وكأن هذا علم مستقل بنفسه, فإنه ذو موضوع, وهو العمران البشري والاجتماع الإنساني.. ولعمري لم أقف علي الكلام في منحاه لأحد من الخليقة, ومن الواضح الجلي أن منهج ابن خلدون التاريخي العملي هو الذي أوصله لهذا الاكتشاف, وهذا المنهج مبني علي أن الظواهر الاجتماعية تخضع لقوانين ثابتة وأنها ترتبط ببعضها ارتباط العلة بالمعلول,لذلك كان مفهوم العمران البشري عنده يشمل كل الظواهر سواء كانت سكانية أو ديموجورافية, اجتماعية, سياسية, اقتصادية أو ثقافية. هو عبد الرحمن بن خلدون المولود في تونس, عاش في الفترة من(732 ه 808 ه), كان عالما موسوعيا برع في الفلك والاقتصاد والرياضيات والفلسفةوالتاريخ, بالإضافة إلي كونه مؤسس علم الاجتماع, أو علم العمران البشري كما يسميه وأول من وضعه علي أسسه الحديثة. شغل أجداده في الأندلس وتونس مناصب سياسية ودينية مهمة وكانوا أهل جاه ونفوذ, وكان لهذه النشأة أثر في كتاباته عن الدول وتطورها, قضي أغلب مراحل حياته في تونس والمغرب الأقصي وكتب الجزء الأول من المقدمة بقلعة أولاد سلامة بالجزائر, وعمل بالتدريس في جامع الزيتونة بتونس وفي المغرب بجامعة القرويين وفي الجامع الأزهر بالقاهرة, وفي آخر حياته تولي القضاء المالكي بمصر بوصفه فقيها متميزا. امتاز ابن خلدون بسعة اطلاعه علي ما كتبه القدامي عن أحوال البشر وقدرته علي استعراض الآراء ونقدها, ودقة الملاحظة مع حرية في التفكير وإنصاف أصحاب الآراء المخالفة لرأيه. وقد كان لخبرته في الحياة السياسية والإدارية وفي القضاء, أثر بالغ في موضوعية وعملية كتاباته عن التاريخ وملاحظاته. كتاب ابن خلدون الأشهر هو: العبر وديوان المبتدأ والخبر, وهو يقع في سبعة مجلدات وأولها المقدمة وهي المشهورة أيضاب مقدمة ابن خلدون, وقد فاقت شهرتها شهرة الكتاب نفسه, وتشغل من هذا الكتاب ثلثه, وهي عبارة عن مدخل موسع لهذا الكتاب وفيها يتحدث ابن خلدون ويؤصل لآرائه في الجغرافيا والعمران والفلك وأحوال البشر وطبائعهم والمؤثرات التي تميز بعضهم عن الآخر, مؤسسا بهذا التحليل لعلم الاجتماع. يخصص ابن خلدون الفصل الثالث من المقدمة للدولة وأسباب وكيفية نشوئها وسقوطها, مؤكدا أن الدعامة الأساسية للحكم تكمن في العصبية, والعصبية مصطلح خلدوني خالص, ثم تحدث عن أطوار الدولة, وهي خمسة: الأول طور الظفر بالبغية, والاستيلاء علي الملك وانتزاعه من أيدي الدولة السالفة قبلها. والثاني طور استبداد الحاكم علي قومه والانفراد دونهم بالملك, والثالث طور الفراغ والدعة لتحصيل ثمرات الملك, والرابع طور القنوع والمسالمة, والخامس, طور الإسراف والتبذير.. وفي هذا الطور تحصل في الدولة طبيعة الهرم, ويستولي عليها المرض المزمن حتي تنقرض. هكذا تولد الدول وتنمو وتهرم, وهذه النظرية هي أساس ما عرف في القرن العشرين ب المادية الجدلية. كما حوت المقدمة عدة مقولات اقتصادية تعتبر حجر الزاوية في علم الاقتصاد الحديث, حيث يركز ابن خلدون علي الصناعة جاعلا منها السبب الأساسي في الازدهار الحضاري, ويرفض ابن خلدون تدخل الدولة المباشر في الإنتاج والتجارة لما يترتب عليه من أضرار اقتصادية.