معظم ما يتناقله الاعلام عن عمل اللجنة التأسيسية مرتبط بالخلاف والجدل الدائر حول نص المادة الثانية ولاننكر أهمية حسم هذه الاشكالية غير أن مانخشاه هو ان يداهمنا الوقت ولاننتبه إلي ماهو جوهري في تصميم أركان حوكمة البلاد خصوصا مايتعلق بالمنظور الاقتصادي وشكل النظام السياسي الذي يخدمه وبالتالي ترجمة هذا الفكر إلي مواد دستورية وضرورة التوجه نحو نظام جديد للحوكمة مبني علي اللامركزية الكاملة والاعتراف بأهمية رأس المال الاجتماعي في الاسهام في ايجاد الرخاء. ان جميع الدول التي سبقتنا في نهج اللامركزية قد حققت مكاسب مهمة زفي تأصيل الديمقراطية ورفع مستويات المعيشة والتقدم الاقتصادي والثقافي وتنعم اليوم بمميزات كثيرة جعلتها في مصاف الدول المتقدمة أنظر إلي الهند والفلبين واندونيسيا وماليزيا في آسيا والأرجنتين والبرازيل وبوليفيا وشيلي وكولومبيا وكولومبيا وفنزويلا وناهيك عن اليابان ومعظم دول أوروبا لنقتنع ان اللامركزية الجادة هي الملاذ والحل. لماذا اللامركزية أن التباين الشديد بين جميع اقاليم مصر من ناحية الثقافة والعوامل الاقتصادية ودرجات التطور ونصيب الفرد من الدخل القومي وتنوع متطلبات الحياة كلها ظواهر تؤيد بشدة الاتجاه نحو ارساء نظام لامركزي قوي وفعال يتحمل فيه كل اقليم تبعات ومسئوليات ادارة شئونه بنفسه درء المخاطر التوزيع غير العادل لموارد الدولة, كما حدث منذ فجر التاريخ وأدي إلي تعاظم الفجوة بين القاهرة( المركز) وباقي ربوع البلاد. مزايا اللامركزية في الديمقراطية حيث يتم نقل بعض اختصاصات الحكومة المركزية من الناحية السياسية هناك ارتباط وثيق بين اللامركزية وإلي الأقاليم مع تفويضها في اتخاذ ماتراه من اجراءات تشريعية ورقابية في حدود مايسمح به الدستور( المرتقب) واللامركزية تقوض توحش الحكومة المركزية وانفراد الحاكم بالحكم, وتتيح انشاء برلمانات محلية وتصعيد ممثليها ضمن اطار نظام برلماني ثنائي الغرف بحيث يكون المجلس الأعلي( مجلس النواب أو الشوري حاليا) ممثلا لمصالح الأقاليم في حين يختص مجلس الشعب( المجلس الادني أو البرلمان) بأمور الحكومة المركزية. من الناحية المالية والاقتصادية فأنها تؤدي إلي الحشد الفعال للموارد المالية لمواجهة متطلبات الأقليم مع ضرورة ايجاد وسائل انفاق متزن في اطار موازنات محلية فاعلة وتحتم وجود استراتيجيات مالية وضريبية تتمشي مع خطة الحكومة المحلية وبالتالي الاحساس بمردود الخدمات في مقابل الموارد الضريبية المحلية وأخيرا تتيح للأقليم الاستفادة القصوي من مردود المالية الذاتية وبالتالي الحرص علي تنميتها واستدامتها. من الناحية الادارية فإن اللامركزية تؤدي إلي توسيع القاعدة الشعبية المستفيدة من الخدمات الاجتماعية والسياسية وتعزيز سرعة الاستجابة مع تعميق المساءلة والشفافية, كما أنها تدعم تجانس التوجهات والسياسات والخدمات بسبب تجانس المجتمع المحلي وكذلك تعظيم تفعيل الاستثمار في رأس المال الاجتماعي والبشري من خلال مبادرات الجهود الذاتية من خلال المنظمات الأهلية وغير الحكومية. مما لاشك فيه ان تفاوت درجات اهتمام الحكومة المركزية بمحيطها المباشر كان علي حساب الاقاليم وأسهم ضعف القانون43 لسنة1779 للحكم المحلي وتعديلاته وعدم وضوح الرؤية الاستراتيجية من ورائه إلي ضعف آداء المحليات وفسادها وما نخشاه اليوم ان تتسبب المناقشات حول المادة الثانية في اضاعة فرصة مصر في ارساء مبادئ نظام للحوكمة الرشيدة ضمن اطار لامركزي عميق مبني علي مبادئ الاستتباع والتفويض وان يتم ادراج تلك المبادئ ضمن دستور حديث يضع مصر في مصاف الدول المتقدمة.