في الانتخابات الديمقراطية هناك المنتصرون وهناك المهزومون, تلك حقيقة يعرفها القاصي والداني. لكن الانتصار بالمعني الديمقراطي لا يعني إقصاء الآخر ونفيه من الوجود, ولا يعني أيضا السيطرة والهيمنة والاستحواذ علي كل شيء. فنتائج الانتخابات الدورية هي تفويض مؤقت لفترة من الزمن وليست ضربة قاضية نهائية كما يتصورها البعض من تيار الاسلام السياسي. والمفارقة التي تعيشها مصر هي أن الجميع سواء المنتصرون أو المهزومون يشعرون بعدم الرضاء وانتظار المجهول وقدر من الإحباط. افهم ان تكون الحال كذلك بالنسبة للمهزومين, أما أن يكون المنتصر اكثر احباطا وأكثر قلقا وأكثر عدم شعور بالرضا, فنحن امام مفارقة بحاجة إلي بيان. لا شك أن فوز الرئيس محمد مرسي ومن ورائه جماعة الاخوان المسلمين والأحزاب والقوي السلفية وتيار الاسلام السياسي بوجه عام وبعض جماعات ثورية وشبابية وقفت مع الاخوان يعد علامة فارقة في تاريخ مصر المعاصر, ولا شك ان هذا الفوز في لحظة إعلانه دفع التوقعات الشعبية إلي عنان السماء, وساعد علي ذلك كم هائل من الوعود التي بذلت اثناء الحملة الانتخابية لاسيما في مرحلة الإعادة والتي إن طبق مجرد10% منها فسوف تتغير احوال البلاد و العباد بصورة كبيرة. ومشكلة هذه الوعود انها جاءت متسارعة وبدون الحد الادني من الدراسة الرصينة بجوانبها القانونية والمالية والاجتماعية والسلوكية, ومن ثم بدت أمام الكثيرين مجرد وعود لا اكثر. والمشكلة هنا ليست في المصريين الذين يتشككون في هذه الوعود ولا يرون خطوات فعلية لتطبيقها وإنما تحركات محدودة وأولويات بهدف الاستحواذ والسيطرة ومعارك لا أساس لها مع الاعلان الدستوري ومن أصدره ومجموعة من الفتاوي القانونية التي تضرب فكرة دولة القانون ذاتها وتشيع الفوضي والخراب. وبالتالي فإن جوهر المشكلة هو فيمن اطلق الوعود وأفرط فيها. واستطرادا فإن محاولة إلقاء اللوم علي المصريين أو الثورة المضادة أو المهزومين أو قوي شيطانية من وراء الحجب هي دليل فشل مسبق, وبما يتطلب التروي والتأمل, غير أن ما يحدث من بعض المنتصرين هو العكس تماما. يري بعض الاسلاميين المنتصرين ان الإعلام لا يقدم صورة طيبة عن أداء الرئيس, وانه يتعمد إظهار تحركاته علي غير حقيقتها أو بدرجة أقل مما ينبغي ان تكون عليه وأن بعض القائمين عليه من الفاسدين والمفسدين والسحرة. وفي اكثر من حوار رمضاني بدا الاسلاميون غاضبين من الأداء في الصحف القومية مؤيدين وضعها مباشرة تحت وصاية حزب الحرية والعدالة وكل من شاركه الانتصار في الانتخابات الرئاسية, وذلك رغم ما في هذه الصحف القومية من مجاملات لتيار الاسلام السياسي بوجه عام وجماعة الاخوان بوجه خاص تقارب ما كان يحدث مع الحزب الوطني البائد. والارقام لا تكذب, ففي بعض اعداد جريدة قومية كبري كانت التغطية الاخبارية لأنشطة جماعات وأحزاب التيار الاسلامي تقارب70% مما هو منشور عن كل الحراك السياسي في المجتمع المصري. ناهيك عن عدد كبير من مقالات الرأي تصب في الاتجاه ذاته. وتلك بدورها نسبة عالية للغاية وتتعارض مع ابسط قواعد المهنية, ومع ذلك فهي لا تعجب الاسلاميين المنتصرين, لأنهم ببساطة يريدون صحافة قومية علي مقاسهم وحدهم. ولتذهب إدعاءات حرية الصحافة والإعلام إلي الجحيم. ولعل ذلك يفسر جزئيا مساعي التغيير في قيادات الصحف القومية. إلقاء اللوم علي الآخرين كسبب للاحباط الذاتي للمنتصرين يتطور عند البعض منهم إلي حد مخيف. إذ يتصورون أن مؤسسات الدولة المصرية ما زالت خاضعة لتأثير النظام السابق, وأن الخطأ الاكبر هو أن تستمر هذه المؤسسات كما هي. وبالتالي فإن لم يكن يسيرا هدم هذه المؤسسات فالبديل هو تطهيرها تماما من كل من تحوم حوله شكوك انه ضد المشروع الاسلامي الذي يمثلونه هم وحدهم, ووضع رموز إسلامية لا غضاضة عليها في كل مستويات هذه المؤسسات وفي المقدمة القضاء والإعلام والجيش والداخلية والخارجية, وذلك حتي يأمن التيار الاسلامي شر هذه المؤسسات من وجهة نظرهم. وتحصل المحكمة الدستورية علي كم هائل من الانتقادات, إذا يعتبرونها سبب البلاء والابتلاء الذي يعانونه الآن. ومما سمعته من احد المحسوبين علي الاسلام السياسي لانه لابد من احد أمرين: أن يعاد تشكيل هذه المحكمة بحيث تنفذ المشروع الاسلامي, أو أن يتم تقليص دورها ليصبح استشاريا وحسب. بعض المحسوبين علي التيار الاسلام السياسي او الذين يخدمون عليه فكريا وبحثيا يرون أن الشيطان الاكبر الآن هو الجيش المصري, لانه المانع الوحيد لانهيار الدولة المصرية, والعمود الذي لابد ان يسقط ليحل محله عمود آخر من صنع خيالاتهم وأوهامهم. وكنت قد سمعت رأيا صادما لم اتوقعه أبدا من رموز فكرية تحسب نفسها الآن علي التيار الإسلامي. إذ يقول هذا الرأي ان الخطأ الاكبر الذي وقعت فيه الثورة هو انها التزمت بالقانون ولجأت إلي القضاء وانه كان من الأجدر ان تقوم القوي الثورية بتنفيذ عدة إعدامات لرموز من النظام السابق في ميدان التحرير حتي يكونوا عبرة لباقي المصريين. وأنه لو حدث ذلك لكانت القوي المعارضة للمشروع الاسلامي الآن في جحورها خائفة مذعورة. حين يقول مثل هذا الرأي أحد من الفوضويين, يكون الأمر مقبولا, أما ان يقوله باحث قدير في الشريعة والتراث الاسلامي, يعرف قدر النفس البشرية وحرمتها عند الخالق سبحانه وتعالي, ويدعو إلي الإعدام بدون محاسبة من أجل بث الرعب في نفوس المصريين مسلمين وأقباطا, فتلك مصيبة كبري, وستكون اكبر واكبر إن تردد مثل هذا الرأي بشكل او بآخر باعتباره الطريق الوحيد لإنجاح المشروع الاسلامي.