للذكري الستين لثورة يوليو طعم خاص هذا العام, تختلط فيه المخاوف بالآمال وتنقسم المواقف, البعض يخشي من تصفية الثورة بعد وصول رئيس مدني منتخب ينتمي لجماعة الاخوان. التي لها مع الثورة فصول من الصراع والصدامات الدموية, والبعض يعتقد أن العسكر يوظفون شرعية يوليو لصالح استمرار دورهم السياسي والحفاظ علي مكاسبهم التاريخية بعد25 يناير. وهناك من يري أن علي ثورة يوليو الرحيل بعد أن بلغت سن المعاش وشاخت أفكارها ومبادئها, وبالتالي دخلنا زمن ثورة25 يناير التي ينظر إليها باعتبارها رفضا لدولة يوليو الاستبدادية ذات الطابع العسكري, لكن في المقابل هناك من يؤمن بأن ثورة يناير تستكمل نقص الحريات والديمقراطية في ثورة يوليو, وتعيد الوجه الحقيقي ليوليو ممثلا في الاستقلال الوطني والعدالة الاجتماعية والتنمية المستقلة. وأتصور أن اختلاف المواقف والمشاعر ناتج عن أسباب كثيرة أهمها البحث عن شرعية الجمهورية الجديدة أو جمهورية مرسي, فقد استندت الدولة المصرية في الستين عاما الأخيرة إلي شرعية ثورة يوليو التي نجحت في القضاء علي النظام القديم والحصول علي الاستقلال الوطني وتأميم القناة وبناء السد العالي والعدالة الاجتماعية, وعندما فشلت دولة عبدالناصر في يونيو67 في إقامة ديمقراطية سليمة واحترام الحريات, نجحت دولة السادات في حرب اكتوبر والتي اصبحت رافدا ثانيا لشرعية الدولة, واعتمد مبارك علي الشرعيتين ولم ينجح في انتاج مصدر جديد لشرعية فلم يكن جادا في اقامة حياة ديمقراطية او اطلاق الحريات العامة. وعندما سقط مبارك, أصبحت شرعية يوليو وحرب أكتوبر علي المحك, فهما شرعيتان مأزومتان ومراوغتان, لان السادات ومبارك انقلبا علي القيم والأهداف الأساسية لثورة يوليو في الاستقلال الوطني والقضاء علي سيطرة رأس المال علي الحكم وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستقلة, وتكفي الاشارة هنا لعلاقات التبعية لأمريكا والإذعان لمطالب اسرائيل, وتهميش دور مصر في عهدي السادات ومبارك. وبالتالي عندما نتحدث عن شرعية يوليو لابد من الناحيتين المنطقية والتاريخية التمييز بين ثلاث دول ظهرت في كنف شرعية يوليو أو ادعت تمثيلها, وكان بينها اختلافات عميقة بل وتناقضات في توجهاتها السياسية داخليا وخارجيا, لكن هذه الاختلافات لاتنفي وجود عديد من المشتركات وعناصر الاستمرار, وخاصة انفراد الرئيس باتخاذ القرار وغياب الديمقراطية. لدينا دولة عبدالناصر التي اسست للثورة ومبادئها وحققت كثيرا من أهدافها, وقد انتهت هذه الدولة عمليا بموت عبدالناصر, وتولي السادات الذي سار عكس سياسات دولة عبدالناصر لكنه أبقي علي سند شرعية ثورة يوليو كأيقونة يمكن من خلالها كسب تأييد الشارع وتزييف وعيه, وحتي عندما نجح السادات في حرب أكتوبر وإضافة سند ثان لشرعية الدولة سارع بتبديد المضمون الحقيقي لحرب أكتوبر التحريرية, حيث قدم في المفاوضات مع اسرائيل تنازلات هائلة وغير مبررة مازلنا نعاني منها في سيناء المنزوعة السلاح, كما أن سياسة الانفتاح الاقتصادي والتبعية للغرب جاءت علي حساب الجيل الذي حارب في اكتوبر, وعلي حساب اغلبية المصريين الذين عانوا من غياب العدالة الاجتماعية. والتزم مبارك بنفس سياسات السادات تقريبا لكنه طبقها بطريقة أكثر سوءا وفسادا, حتي أنها أضرت بمصالح مصر في المنطقة وافريقيا, وتسببت في معاناة أغلبية المصريين لذلك كانت ثورة25 يناير التي أطاحت برءوس النظام لكنها لم تقض علي نظام ودولة يوليو في نسختها المباركية والتي تتناقض تماما مع أهداف وسياسات ثورة يوليو, واعتقد أن ماتبقي من نظام مبارك وخاصة المجلس العسكري يحاول توظيف شرعية يوليو واكتوبر في دعم مواقفه في الصراع السياسي الدائر مع الاخوان والحفاظ علي استمرارية مصالحه, اي استخدام ايقونات فارغة من مضمونها لكسب تأييد الشارع وتزييف وعيه, وهي نفس اللعبة التي استعملها السادات ومبارك خلال اكثر من40 عاما. إن دولة عبدالناصر هي التجسيد الحقيقي من وجهة نظري لأغلب قيم و..أهداف ثورة يوليو, ورغم سلبيات وأخطاء عبدالناصر الا ان شرعية يوليو1952 تظل باقية وحية لأنها الوريث والامتداد الطبيعي للحركة الوطنية المصرية منذ ثورة عرابي1882, وبالتالي اتصور أن ثورة25 يناير لابد أن تتصالح مع النسخة الحقيقية من ثورة يوليو, وان تؤسس ثورة25 يناير دولتها علي ايجابيات يوليو عبدالناصر ولاتدخل في صراع زائف معها, لأن الثورتين هما حلقتان متصلتان في الكفاح الوطني المصري من أجل الاستقلال وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستقلة, وأتمني أن يؤسس مرسي شرعية دولته علي أساس التواصل والاستمرار بين الثورتين, إضافة لشرعية أنه أول رئيس مدني منتخب. وإذا كان مرسي قد فاز بأغلبية ضئيلة فإن المنطق السياسي يحتم عليه انجاز مهمتين الأولي الاعتماد بدرجة أكبر علي القيم والروح الاصيلة لثورة يوليو, مايعني التخلي عن تقييم الإخوان التقييم التقليدي لعبدالناصر والتصالح مع ثورة يوليو. والثاني العمل السريع لتحقيق انجازات كبيرة تصب في مصلحة اغلبية المصريين ويتمكن من خلالها من العثور علي مصدر جديد لشرعيته.