مفهوم المائة يوم استخدمه أول مرة أحد المقربين لنابليون عام1815, ليصف فترة حكمه الثاني بعد عودته للحكم من منفاه, ورغبته في إحياء روح الثورة الفرنسية, المفاجأة ان المائة يوم الأولي لحكم نابليون كانت قصة فشل واحباط, وشهدت أسوأ هزائم وكوارث اقتصادية في تاريخ فرنسا, بالطبع لا نتمني لمصر ورئيسها الجديد هذا المصير, لكنه اختار نفس العنوان, وطرح قبل فوزه عددا من الوعود لتنفيذها في ال100 يوم الأولي وركزها في استعادة الأمن والمرور والخبز والوقود والنظافة واستبق هذه الوعود بعدد من التصريحات واللقاءات الإعلامية, وهو ماكان وبدأت جماعة الإخوان في التحرك في المحافظات وعقد اجتماعات لمناقشة كيفية تنفيذ هذه الخطة.المهم أن هذه التجربة لتم تعد فقط تجربة الاخوان في حكم مصر بل تجربة تيار الإسلام السياسي بأكمله, حيث يقوم الاخوان بالتنسيق مع القوي الإسلامية, ووزع أعضاء الجماعة أنفسهم علي المساجد للاجتماعبالمصلين وتشكيل لجان بالكشافة, في محافظة الجيزة, تم تشكيل تحالف اسلامي يضم عددا من القوي الإسلامية من ضمنها: الاخوان والهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح, والجمعية الشرعية, وجمعية أنصار السنة, وحزبي البناء والتنمية, والأصالة, وهكذا يحاول الاخوان والقوي السياسية المشاركة لأول مرة في تاريخهم وضع أفكارهم موضع التنفيذ ومواجهة حقيقة العمل السياسي والتنفيذي الذي يختلف عن كلام المعارضين, وهي فرصة عظيمة ليس فقط لتطبيق تداول السلطة ولكن لإعطاء فرص لتنفيذ أفكار وحلول جديدة. برنامج ال100 يوم للرئيس يواجهه العديد من التحديات منها: البعد النظري للأفكار, وضح أن واضع خطة ال100 يوم بخصوص الخبز والمواد البترولية والأمن والمرور شخص أكاديمي لا يعي طبيعة تشابك عمل دولاب الدولة, وأغفل توضيح الآليات القابلة للتنفيذ, وخاصة ضمان الاستمرارية في النهج. البعد الانعزالي في التنفيذ وضح أن جماعة الاخوان ترغب في أن يعود الفضل لها في الانجاز, وتتحرك في اطار تحالفاتها السابقة بشكل رئيسي, وتهمل القوي المدنية والوسطية والحركات الشبابية غير المؤدلجة, وهم لاعبون اثبتوا قدرتهم علي تحريك جموع الشباب وحشد طاقاتها. البعد الاستفزازي: الرئيس ردد في خطابه الأول انه رئيس كل المصريين وسوف يعمل علي لم الشمل, لكن المؤشرات تشير للرغبة الجامحة في ازاحة الاخرين, فقد تصادم مع المجلس العسكري وتحدي القضاء والمحكمة الدستورية العليا وحاول فرض اللجنة التأسيسية للدستور والاستمرار في كسر صورة المجلس العسكري والقوي التي تناصره, وكلها معارك تفرق المجتمع وتشتته, وتستهلك جهد الرئيس. البعد الاستعراضي: ما بين صور صدر الرئيس العاري وصوره وهو يبكي في الصلوات تتخيل ان الرئيس هو المفتي أو شيخ الأزهر الجديد, وان ماكينة العلاقات العامة التي تتبع حركاته وتجعل منها خبرا رئيسيا تقوم بخطأ استراتيجي سوف يدفع ثمنه الرئيس نفسه لأنه لن يحتمل وضع الكاميرات فوق رأسه كثيرا, وانقلاب السحر علي الساحر ممكن, ونفس نهج الدعائية التي شوهت المجلس العسكري يمكن أن تستغل هذه السلوكيات والانجازات الهزيلة وتوجه هجوم أكثر إيلاما. البعد الايديولوجي, مواقف الحركات الإسلامية الحالية تظهر عدم تفهم لطبيعة السياسة المبنية علي الصراع وأن نقد المعارضين يستهدف الأفكار والبرامج, وكون هذه الحركات تنتسب للاسلام لا يعني أن المعارضة تعارض تعاليم الاسلام, وان استمرار العزف علي نغمة اعداء الدين لن يصمد طويلا, لا نعترض علي اعتبار هذه الحركات مشروعا إصلاحيا يبتغي إصلاحا للمجتمع وفق نموذج معين, لكن اهتمامها بالطابع الدعوي السطحي لن يمنع الشعب من تقييمها وفق أدائها السياسي, ولن يعطيها فرصا أخري قبل اثبات جدارتها. الرئيس منذ اللحظة الأولي وضع تحت المجهر للتأكد من التزامه ومصداقيته في تنفيذ برنامجه, وأنه رئيس لكل المصريين ولديه فرصة ليظهر أن حديثه وبرنامجه للنهضة لم يكن مجرد خطاب مرسل بل فعل وتنفيذ, وهذه الفترة هي الاختبار الأول والحقيقي له أمام الشعب, ولا نريد أن نري عودة ماكينة العلاقات العامة للحديث عن الطرف الثلث والثورة المضادة, وتذكروا أن للديمقراطية شعارا وحيدا إما أن تنجحوا أو تتركوا الساحة للآخرين.