للخطاب الديني دوره المهم وأثره الفاعل في توجيه الإنسان وبناء وعيه وشخصيته, وخصوصا إذا كان هذا الخطاب يطرح من قبل جهات تحتل مكانة الصدارة والمسئولية في المجتمع وهي المؤسسة الدينية. للأسف بات هذا الخطاب المتهم الأول في تدني القيم والممارسات وبروز قيم أكثر راديكالية تتنافي مع روح الاسلام ذاته وتتنافي مع ثقافة المجتمع المعروف بالتسامح والعفو والانفتاح علي الآخر, هذا الخطاب واقع تحت صدمة فشل انتقال المجتمعات الإسلامية إلي الحداثة التي تقطع بصورة متوازنة مع مشكلات الماضي والتخلف, انه خطاب ايديولوجي بالمعني التام, يكشف عن تحول الإسلام شيئا فشيئا إلي ملاذ, يعوض عن فشل الايديولوجيات التي تم اعتمادها للتحديث في مجتمعاتنا, فهو غارق في مناخ الانتفاخ وتلفعه نزعة الأسطرة من طرفه إلي طرفه كما يصفه محمد أركون. الدكتور حسن حنفي درس علاقة الخطاب الديني بالثقافة الشعبية والتغير الاجتماعي في مصر, وركز علي مكونات الخطاب لمعرفة كيف تؤثر القيم التي يحملها في الناس, والذي يمر عبر قنوات كثيرة منها الإعلام الديني علي الفضائيات والكتب المدرسية وصفحات الدين في الصحف والمجلات الدينية وخطب الجمعة وغيرها, البحث حلل عينة من470 خطبة خلال الفترة من2007 إلي2009 وقدم الإجابة لعدة اسئلة مثل: هل يبث الخطاب الديني رسائل تحث الأفراد والجماعات علي تحقيق نهوض اجتماعي واقتصادي؟ وهل يدفع الخطاب الناس مثلا للعمل والانجاز واحترام الوقت والآخرين؟ أم انه يتجاهل مثل هذه القيم؟ وإذا ما اهتم بها, ففي أي حدود وبأي طريقة؟ وهل هناك قصدية تواصلية في الاهتمام بمثل هذه القيم وغيرها من قيم التنمية؟ أم أن الاهتمام يأتي بشكل عرضي دون قصد واضح؟ نتائج البحث مذهلة, أظهرت انشغال الخطاب بحياة الآخرة أكثر من انشغاله بالدنيا,77% من الموضوعات تتصل بالآخرة والحساب والعبودية والعبادات, وعندما ينشغل الخطاب بالقرآن والسنة يكون التوجه ايضا دينيا خالصا ويذكر السامعين بكيفية تقصيرهم في العبادة وأنواع العذاب الذي ينتظرهم, بينما الموضوعات المرتبطة بالحياة الدنيا تمثل فقط23% من الخطاب, حاول البحث دون جدوي استخلاص مجموعة القيم التي يمكن اعتبارها قيما للتنمية لكنها غابت وان تواجدت فبشكل ضعيف وغير مباشر, الملاحظة الأكثر أهمية هي خلو الخطاب الديني من أي حديث عن المستقبل. الاستطلاع أوضح عمليا غياب وعي الخطاب الديني بتخلف الواقع وتدني قيم وسلوكيات الناس, والتركيز علي نقد هذا الواقع وإلقاء اللائمة علي المسلمين مع تفسير أسباب هذا التخلف بالبعد عن الدين والايمان الصحيح, والمقارنة بين هذا الواقع وبين الماضي الذي انتصر فيه الإسلام انتصارا عظيما وبني حضارة عظيمة, الخطاب الديني ظل هكذا محاصرا بالقراءة الجامدة للمتغيرات والتطورات المحلية والعالمية, وأصبح أحد أدوات نشر الأفكار الماضوية, أحد الخبراء السعوديين علق علي مظاهر التطرف في السعودية بقوله إن الأزمة تعكس غياب فهم الشرع وفقه التدين, وغياب مقاصد التنزيل لأحكامها المستجدة, وعدم التعلم من النقد ومراجعة وترجيح الآراء الفقهية المتنوعة, وعدم التأدب للاختلاف, والسعة عند الحوار, كل ذلك وغيره قد ولد عقليات متشنجة ومتعصبة لرؤية أحادية لا تنظر للشرع أو للواقع إلا من خلالها ثم تربط بهذه الرؤية الناقصة الحق الذي لايحيد عنه إلا هالك. الكثيرون يرجعون لهذا الخطاب تفشي قيم التعصب والانغلاق والإقصاء.. أيضا تفشي قيم الاتكالية والتهاون في الحقوق كنتيجة مباشرة لهذا الخطاب المنعزل عن الواقع في استطلاع رأي أجراه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بين فئات الشباب للوقوف علي التحديات التي تواجههم عام2009 وردت الاجابة علي سؤال: علي من تعتمد لتحقيق أحلامك؟ نسبة70% أجابت ب سايبها علي الله هل يمكن أن نحلم أن يقوم التيار الديني الذي وصل للحكم بمحاولة جادة لمراجعة وتحديث أدوات هذا الخطاب وتأهيل من يعلو المنابر بالتعاون مع الأزهر ووزارة الأوقاف وأحد مراكز التأهيل المتخصصة المتطورة, ويقوم بوضع آليات لرفع جودة ومحتوي الخطاب حتي يصبح تنمويا وخلاقا ويمكن أن يبني مجتمعا يلائم طموحاتنا في دولة عريقة متفتحة ومتمدنة؟ هل يمكن أن يحقق لنا أهل الحكم هذا الحلم الذي لم يستطع نظام مبارك الاقتراب منه خلال ثلاثة عقود؟