يتحرك المجتمع بمختلف أفراده وأسره ومؤسساته العامة والخاصة والشعبية من خلال مستويات متعددة لأنماط عدة منها الممنهج ومنها الفوضوي! وحين نستدعي أساسيات المنطق الهندسي لإصلاح المجتمع نجد انه يتحرك ويتفاعل كأي آلية إنتاج من خلال جزئياته تحقيقا لأهدافه التي يجب أن تواكب بداية تحركه الواعي ولا تنفك عن التعامل معه في مختلف مراحله أخذا وعطاء, تعديلا وتقويما, ليتقدم المجتمع صوب تحقيق تلك الأهداف. تلك الجزئيات تتمثل في الأمور المادية كالمؤسسات والوزارات والجمعيات والأفراد والأسر والتجمعات الاجتماعية والسياسية وغيرها كما تتمثل في علاقات تلك الجزئيات البينية والتي بدون تحديد أهدافها يصبح الأمر أقرب للعشوائية التي تشابه لحد ما منظومة الإفساد التي تدني المجتمع بينما تستدعي المنظومة الموجبة البناءة وضوحا في الرؤية والمسار وتناغما أكبر بين مختلف جزئياتها وصولا لحالة مستقرة موجبة صاعدة بالمجتمع. وحتي لا يكون الحديث مرسلا فبالمثال يتضح المقال كيف تتفاعل سلطات المجتمع الثلاث: القضائية والتنفيذية والتشريعية؟ أتتفاعل فيما بينها مباشرة أم من خلال سلطة أعلي وما هي؟ وهل من المفيد أن يكون للعدل مثلا وزارة ضمن السلطة التنفيذية وما هي حدود سلطة وزيرها علي أداء المنظومة القضائية؟ قضايا عديدة تستدعي شفافية العلاقة ولا يقتصر الأمر علي المؤسسات العامة, فعلي الجانب الاجتماعي المصغر وهو الأسرة كيف تتشكل العلاقة الأمثل بين الأب وابنته؟ أهي علاقة مباشرة أم من خلال الأم؟ ولا يمكننا أن نتناسي أن الأسرة المصرية لم تعد في مجملها محددة الأركان والعلاقات, فلقد تغافل عنها أساتذة علم الاجتماع وتكالب عليها زبانية الإعلام وتناساها مخططو التنمية فباتت في مهب الريح بلا هدف وبلا دليل وباتت قيم الحرية تعني الفوضي بلا ضوابط! لقد شحت الدراسات التي تؤطر لعلاقات مؤسسات الوطن ناهيك عن تنظير الوضع بغية تطويره فلم نسمع عن نظرية عامة قابلة للتطبيق علي الواقع المصري فكل ما نسمعه اجتهادات تعالج جزئيات بعينها رغم تقاطع مختلف جزئيات الوطن مع بعضها! وللخروج من النفق المظلم الذي نحياه وفي إطار البحث عن مخرج علمي بات علينا تحليل منظومة الوطن وإعادة هيكلتها في أضعف نقاطها وأقلها مقاومة وأكثرها تأثيرا مع مراعاة عدم هدم المجتمع فالقضية ليست تصميم مجتمع جديد تخيلي بل تعديل نمط العلاقات وتطويرها وتحسينها كي تصب في نهر تنمية الوطن. وكمثال علي هذا النهج فللنهوض بالأزهر الشريف مثلا كإحد ي مؤسسات الدولة أمن الأصلح للوطن توحيد جزئيات المؤسسة الدينية الرسمية التي تتقاطع أعمالها أحيانا لتشمل وزارة الأوقاف ودار الإفتاء تحت مظلة الأزهر؟ ولا يقف الأمر عند هذا الحد, أيشمل الإصلاح وضع المؤسسة الموحدة وقيم العمل الحاكمة بداخلها والنابعة من قيمها الذاتية وقيم المجتمع الكلية؟ لقد بات توصيف جزئيات منظومة الوطن مهما تماما كتوصيف معايير اختيار القائمين علي إدارة جزئياتها فقضية المعايير بقواعد عادلة شفافة معلنة باتت من الأهمية بمكان علي مستوي الأفراد والمؤسسات الأمر الأكثر أهمية في قضية الأداء العام بل الخاص والتخصصي هو مراقبة الأداء الذي بدونه لا يمكن للمجتمع ان يصحح مساره الذي يتفلت أحيانا بحكم إنسانية علاقاته وانحرافات المنظومة الطبيعية ليظل السؤال: كيف يمكن تضافر جهود منظومة رقابة شعبية مع منظومة الحكم لتحقيق ذلك؟