عندما فكرت في الذهاب الي سيناء في احتفالها بعيد تحريرها الذي يوافق الخامس والعشرين من ابريل, كانت لدي بعض الافكار المسبقة عما يعانيه سكانها من البدو من مشكلات.. خاصة المشكلات الامنية التي تراكمت خلال سنوات طويلة نتيجة للمعاملة التعسفية من قبل أجهزة الأمن والتي أدت إلي انعزال الاهالي من البدو وفقدانهم لمشاعر الانتماء للوطن للدرجة التي جعلتهم يطلقون كلمة المصريين علي كل من عداهم من ابناء مصر وكأنهم يتحدثون عن ابناء جنسية اخري!! فيما عدا تلك المشكلة الخاصة كنت أعتقد انهم يواجهون مشكلات اقل كثيرا مما يعاني منها اشقاؤهم في مدن مصر المختلفة علي الاقل لانهم يعيشون بعيدا عن الزحام واختناقات المرور والتلوث والصراع علي فرص العمل وكل ما يعانيه سكان المدن الكبري من عذابات الحياة اليومية.. لاكتشف بدلا من ذلك مجتمعا محبطا يعاني ربما أكثر مما يعانيه سكان العشوائيات من انعدام خدمات التعليم والصحة والمواصلات.. اما المفاجأة الاكبر فكانت ان معظمهم لا يعلمون شيئا عن25 ابريل ولا ماذا يعني والقليلون تحدثوا عن ذكري تحرير سيناء بمشاعر الحزن والخوف. الترابين هي قرية صغيرة تابعة لمدينة نويبع يعيش بها حوالي5000 نسمة من البدو يسكنون بيوتا صغيرة مكونة من غرفة واحدة أو غرفتين مبنية بالطوب والجريد.. ونظرا لأزمة البنزين والسولار التي جعلت معظم سائقي القري السياحية يرفضون العمل ترشيدا للاستهلاك قررت الذهاب اليها بطريقة الاوتو ستوب أي الاشارة لأي سيارة مارة بالتوقف وهي الطريقة التي تستخدمها البدويات في الانتقال من مكان الي مكان لانعدام المواصلات العامة وارتفاع اسعار المواصلات الخاصة وكانت معي في تلك الرحلة امرأتان بدويتان عرضتا المساعدة هما كاملة وشقية هذا هو اسمها الحقيقي وهي امرأة تجاوزت الستين من عمرها وعندما اشرنا لعدة سيارات بالوقوف رفض اصحابها ركوب البدويات خوفا منهن كما ذكروا مما اضطرني في النهاية لأن أذهب بدونهما علي أن تنتظرا سيارة يستقلها أحد البدو حتي يوافق علي توصيلهما وهو ماحدث بعد ساعتين من الانتظار في الشمس الحارقة لأكتشف بنفسي اولي مشكلات البدو في سيناء وهي انعدام المواصلات. البدويات عندما دخلت القرية كان اول شئ افعله هو البحث عن فتياتها لمعرفة كيف يعشن وبماذا يحلمن.. تجمع حولي عدد منهن يملأهن الحماس للحديث ويتسابقن لأبداء الرأي اما الشرط الوحيد للكلام فهو: عدم التقاط الصور فبدويات الترابين ممنوعات من الصور حتي ولو كن ملثمات بقرار من اقاربهن الرجال الذين قد يبطشون بهن لو رأوا لاحداهن صورة ويجوز للعروس ان تلتقط صورة يوم زفافها علي ان تضعها في بيتها ولا يراها أحد! أما العجائز فلهن ان يفعلن ما شئن.. رضخت لشرطهن وتوقعت ان اري فتيات يرتدين الزي البدوي الجميل لكنني رأيت فتيات ملثمات يرتدين العباءات الخليجية وقالت احداهن وتدعي سلوي: لم تعد البدويات ترتدين الزي البدوي الذي اصبح مجرد فولكلور.. جدتي الوحيدة التي مازالت ترتديه في القرية وبعض الفتيات يحتفظن بقطع منه لكنهن لا يرتدينه ابدا. وتضيف سلوي: زمان كانت النساء ترتدي الزي البدوي لعدم وجود شئ آخر يرتدينه اما الان باصبحن يشاهدن التليفزيون ويرون الموضة وتحاولبن تقليدها بالذهاب إلي الخياطة بالاضافة إلي العباءات الخليجية التي نشتريها من نويبع وتنوعت الملابس واصبح من الصعب التقيد بزي واحد سألت عن تاريخ25 ابريل وماذا يعني لهن.. نظرن إلي بعضهن مندهشات ولم تجب الا واحدة هي التي نالت قسطا من التعليم بأنه ذكري تحرير سيناء.. أما شقية فقالت: لا نعلم سوي ان هناك ثلاثة اعياد هي الضحية والصغير وعويشرة تقصد عاشوراء ولا نحتفل الا بها.. اما تحرير سيناء فلا اعرف عنه شيئا كل ما اعرفه هو انهم شالوا الريس وده احسن لانه كان ظالما ما شفناش ايامه الا البهدلة وانا دعيت عليه لاني بنيت بيتا لابني جت الحكومة هدته واهو قاعد من غير جواز للحين وعمره30 سنة أو اكثر ولما مشي الريس برضه مفيش فرق.. الحال واقف ابني اللي كان معاه سيارة بيسوقها للسواح ركنها والتاني عنده جمل بطل يطلع الجبل عشان مفيش سياحة والتالت قاعد في البيت وبناكل كل يوم فول وممكن كل شهر نجيب فرخة.. وعندي5 غنمات باجيب لها كراتين ورق يأكلوها. اما كاملة فلم يكن حالها افضل كثيرا اذ قالت: عندي6 اولاد حاولت اعلمهم خرجوا كلهم من المدرسة لانها بعيدة جدا في الطور ومفيهاش اساتذة! وماعنديش دراهم فلوس يروحوا وييجوا بيها.. زوجي مريض ما بيشتغلش وانا بارعي الغنم وساعات أروح البحر احوت قرنيط اصطاد اخطبوط واطبخه لعيالي ما اعرفش الثورة باسمع عنها من عيالي وعرفت ان مفيش ريس ومفيش حكومة وكل واحد ماشي براسه ومش عاجباني عشان خلت الناس يقتلوا في بعض وبعدين هي عملت لنا ايه؟ طفشت السواح والحال وقف.. انا مش عاوزة غير أحج بيت الله وولادي يشتغلوا واعمل معاشا لجوزي المريض. سألتهن عن انتخابات الرئاسة صمتن جميعا ماعدا واحدة رفضت ذكر اسمها انبرت قائلة: لا نعلم احدا من المرشحين.. نري صور بعضهم في التليفزيون ولا يهم من سيأتي منهم فكلهم بالنسبة لنا مجهولون.. رجالتنا يقولون ان الاخوان لو مسكو الحكم سيمنعون النساء من الخروج لرعي الاغنام والصيد لذلك لن ننتخبهم تصرخ فاطمة قائلة: تحرير سيناء ايه وثورة ايه؟ احنا عايشين يوم بيوم.. مش لاقيين ناكل.. مش مهم ولادنا اللي مش لاقيين شغل المهم اختي اللي ماتت عشان مفيش دكتور يولدها في نويبع.. مستشفي نويبع من غير دكاترة ومفيش عيادة واحدة في البلد, جوزها اخدها في العريش ماتت في الطريق كل الحوامل هنا بيروحن يقعدن في العريش قبل ولادتهن باسبوعين عشان يلدن هناك واللي ماعندوش دراهم يموت هنا. تعليم نادر حاولت ان ابحث عن بدوجامعيين أو حتي انهوا دراستهم الثانوية لكن للاسف علمت ان هذا شئ نادر والسبب يعود للطرفين كما اجمع ابناء سيناء: الدولة التي لم توفر المدارس القريبة واذا وفرتها تركتها بدون مدرسين والسبب الاخر يعود إلي البدو انفسهم والذي اعترف به عويمر قائلا: وتوقفت امام كلماتهم البدوي بطبيعته لا يقبل ان يوجهه احد أو يقسو عليه.. وأول ما يفعله الاب البدوي حينما يصحب ابنه إلي المدرسة هو ان يحذر المدرسين من شتم او ضرب ابنه ويهددهم بشتي انواع الانتقام لو انهم فعلوا ذلك.. فاصبح المعلمون يخشون من تعليم أبناء البدو فيتركونهم في الفصول دون تعليم ثم يغششونهم في الامتحانات واقتنع الاباء ان لا فائدة من التعليم فمنعوا اولادهم منه ويؤيده محمد قائلا: عمري17 سنة ولم اذهب إلي المدرسة يوما واحدا لان اخي الذي يكبرني ذهب إلي المدرسة حتي الصف السادس وحصل علي الشهادة الابتدائية وهو لا يعرف قراءة ولا كتابة حرف واحد!! فلماذا اضيع وقتي مثله؟ وينضم لهما فهد سويلم درست حتي الصف الثاني الاعدادي ثم تركت المدرسة علي الرغم من ان اهلي ميسورون!! فلم اتركها لاسباب مادية لكنني تركتها لانني شعرت بأن الشهادة لا قيمة لها فكل اصدقائي اما لم يتعلموا واما تركوا التعليم في مراحل ابكر مني فشجعوني علي تركها وكنت قبل الثورة اعمل في مخيم سياحي يمتلكه والدي وبعد الثورة عملت سائقا علي سيارة نقل. أما الشيخ سالم فيقول: نحن البدو لانحب ان نرسل بناتنا الي المدارس لان هذا معناه خروجهن كثيرا وابتعادهن عن البيت ومن الممكن ان تتعرف علي اشخاص سيئين او تتمرد علي التقاليد وفي النهاية لايوجد مقابل لكل هذا العناء غير وجع الراس! وعلي الرغم من عدم حصولهم علي قدر من التعليم..كان شباب البدو ورجاله اكثر الماما بالاحداث السياسية.. يقول سلمان عبد الله: عمري30 سنة درست حتي الصف الرابع الابتدائي وأعمل حاليا في إحدي الجمعيات الأهلية التي تساعد في حماية الساحل من المخالفات التي يقوم بها الصيادون...25 ابريل هو ذكري تحرير سيناء والذي كنت انتظره كل عام لاشاهد الافلام الوطنية التي تذاع في هذا اليوم فاشعر بالفرحة والفخر وأعيش لحظات الانتصار التي لم أعشها في الحقيقة أما في هذا العام فتأتي الذكري محملة بمشاعر الحزن علي الحال الذي وصلنا اليه ومشاعر الخوف من فقدان سيناء فقد ألهتنا الاحداث وانهمكنا في المشاكل الداخلية ونسينا ان هناك عدوا يتربص بنا علي الحدود وينتظر لحظة الانقضاض علينا الثورة خلصتنا من نظام فاسد لكنها حتي الان لم تحقق لنا شيئا فقد توسمت في الاخوان خيرا وأعطيتهم صوتي في انتخابات مجلس الشعب لكنني ندمت بعد ان اكتشفت كذبهم في كل ما وعدوا به ولن انتخبهم في الرئاسة بل سأنتخب عمرو موسي لانه الاصلح للرئاسة فهو شخصية نظيفة ولايعيبه عمله مع النظام السابق لانه ادي عمله علي اكمل وجه وكل قبيلتي ستنتخبه! أما عن احوال البدو فيضيف سلمان البدو لايعملون بالصيد كما يعتقد الكثيرون لكن اعتمادهم الرئيسي علي السياحة التي لايعرفون لها بديلا لذلك فانهم اكثر فئة تضررت في كل البلاد بعد توقف السياحة فتوقفت معها الحياة بالنسبة لهم وساءت احوالهم للدرجة التي جعلتهم لايجدون قوت يومهم..أنا شخصيا كنت امتلك مخيما سياحيا صغيرا اضطررت للانفاق عليه ثم غلقه تماما بعد الثورة وهذا هو حال معظم البدو ولايخفي علي احد ان البدو مجتمع لايدخر اموالا لذلك فهو يعاني الان من محنة قاسية بل ويشرف علي الهلاك اذا لم يعد الامن اولا ثم تعود السياحة. ويتدخل عويمر في الحوار مرة اخري قائلا: هل يعقل ان يتم حرمان البدو من الوظائف في مدنهم بينما يتم اسنادها الي شباب من محافظات اخري مثل المنيا والشرقية؟ هذا ماتقوم به شركة الكهرباء في نويبع ومحطة المياه والبريد و حتي البنوك التي تحرم البدو من الوظائف حتي التي لا تحتاج إلي شهادة دراسية بدون سبب وتتركهم يعانون من البطالة علي أرضهم التي لايستطيعون مغادرتها فتجبرهم بذلك علي اللجوء للاعمال المخالفة للقانون مثل سرقة الانابيب والمواتير والسولار واحيانا الاتجار في البانجو والحشيش ويقول شريف الغمراوي صاحب احدي المنشآت السياحية والذي يعيش وسط البدو منذ أكثر من ثلاثين عاما: يتسم البدو بالطيبة الشديدة وهم قوم مسالمون بطبيعتهم ولايميلون الي العنف وكل مايحتاجون اليه هو الحرية التي جبلوا عليها..لكنهم للاسف يعيشون في ظروف سيئة ويتعرضون للظلم منذ سنوات طويلة وحتي هذه اللحظة.. فمثلا هم يعانون في الترابين من عدم وجود مياه للشرب علي الرغم من أنها قرية صغيرة ويوجد بالقرب منها خزان كبير وكل مايحتاجونه هو انشاء محطة تحلية صغيرة بل اصغر مما هي موجودة في عدد من الفنادق علي طول الساحل ومع ذلك فقد بح صوتهم بهذا المطلب البسيط لدي كل المسئولين المتعاقبين ولا حياة لمن تنادي..والبدو لا يلجأون للقوة او قطع الطرق الا عندما يستنفذون كل الوسائل الاخري ومع ذلك يشيعون عنهم التهم الظالمة من بلطجة وماشابه برغم ان الايام الاولي للثورة وماتلاها من ايام كانت سيناء من اكثر الاماكن أمانا في مصر بفضل شهامة وتقاليد البدو وحتي الان لايستشعر اي شخص يعيش بين البدو سوي الامان الكامل..والحمد لله فقد بدأت السياحة هنا تستعيد عافيتها شيئا فشيء وفي عودتها كل الامل للبدو في حياة افضل