هنا باقون كأننا عشرون مستحيلاهنا.. علي صدوركم, باقون كالجدار وفي حلوقكم كقطعة الزجاج, كالصبار وفي عيونكم زوبعة من نار هنا.. علي صدوركم باقون كالجدار نجوع.. نعري.. نتحدي ننشد الأشعار ونملأ الشوارع الغضاب بالمظاهرات ونملأ السجون كبرياء ونصنع الأطفال.. جيلا ثائرا.. وراء جيل. هكذا صدقت كلمات الشاعر الكبير محمود درويش حينما وقف مع اخرين بصدورهم العارية وقلوبهم الحانية وعقولهم المنتمية الي تراب هذا الوطن حتي النخاع.. ليمحوا الأمس ويرسموا اليوم ويحلموا بالغد.. انهم مجاهدو سيناء الذين لابد أن نذكرهم بذكري تحرير الارض التي دفعوا هم ثمن حريتها.. من دمائهم. البداية لابد أن تكون عن شيخ مشايخ سيناء الذي طالما اهتزت لكلمته سيناء حجرا وبشرا, من كثرة الحكاوي والحواديت عن الشخصية التي تلقب بالكاريزما ضبطت نفسي متلبسة بحلم مقابلته ربما يعود بي الزمن للوراء وربما تلتقي الوجوه عند خالق الخلق.. لأري وأسمع الشيخ سالم الهرش. التقت الاهرام المسائي ب يسري الهرشأحد أحفاد الشيخ سالم والذي فتح كل أبواب منطقة رابعة علي مصراعيها أمامنا. وفي منزل يسري كانت أكواب الشاي بالمرمرية في انتظارنا علي الجلسة العربي لتكون البداية من عند خالد علي سالم الهرش أكبر الأحفاد وقبل أن نسأله عن تاريخ جد الأجداد وشيخ المشايخ أجاب.. بصوت يعلوه الفخر وبدمعة وربما عرفنا أن نلمحها قبل أن يحاول إخفاءها. الشيخ سالم الهرش رحمة الله عليه ولد عام1910 وكان لديه من اربع زيجات11 ولد و8 فتيات_ الكلام علي لسان خالد_ كان يفضل أن يتزوج كثيرا بنية لم الشمل فلقد تعمد أن يتزوج من مختلف القبائل لأن الترابط القبلي كان أكثر ما انشغل به. بعد نكسة1967 وبعد أن دخل اليهود سيناء بدأوا في جمع القبائل في مخيمات وعملوا لهم بالفعل هويات إسرائيلية وبعد مرور ما يقرب من3 شهور وأثناء جلوس الشيخ سالم في خيمته دخل عليه بعض الضباط المصريين وبالطبع كان علي رأسهم اليماني وهو أشهر من نار علي علم, وسألوه عن نصيحته في كيفية دخولهم للمجتمع القبلي ليكونوا بذلك قريبين من المعسكرات الإسرائيلية فما كان منه إلا أن قام بتدريبهم علي اللهجة وألبسهم الزي البدوي وبعدها أخذهم الي الكامب الإسرائيلي وقدمهم للإسرائيليين علي أنهم مجموعة من أهله لم يكونوا موجودين وقت حصار القبيلة وبالتالي طالبهم باستخراج هوية لهم وكان له ما اراد فأتم بذلك زراعتهم في المكان. وحتي عام1968 في وقفة لم ولن ينساها التاريخ له من خلال مؤتمر الحسنة وكانت قوات الاحتلال تعد لهذا المؤتمر قبلها بشهور وتقوم بترغيب وتدليل الشعب السيناوي لكي تجعل لسان حاله يقول أنهم أحسن المصريين, وقد أقنعهم الشيخ سالم_ حينها_ بأن الأرض مهيأة لهم تماما_ يقصد الإسرائيليين_ في قلب كل سيناوي, الي أن جاءت اللحظة الحاسمة وعقد مؤتمر الحسنة وتجمع مشايخ سيناء جميعا وحضر موشي ديان الذي اقتنع تماما بأن سيناء ستكون منطقة دولية ولأنها واقعة تحت الاحتلال فإن السيطرة والقرار سيكون في اليد الإسرائيلية, أتي ومعه أشهر مخرج إيطالي في ذاك القوت لكي يكون الخطاب مذاعا ومسموعا للعالم أجمع واستضاف مجموعة لا بأس بها من رجال الأممالمتحدة وبدأت فاعليات المؤتمر الذي تحدث فيه اليهود عما قدموه للأهل في سيناء وعن طموحهم وآمالهم بالنسبة لهم وعندما طلبوا الكلمة من شيوخ سيناء وقع الاختيار الذي كان متفقا عليه مسبقا علي الشيخ سالم الهرش الذي خدعه في بداية كلمته قائلا أنتم تريدون سيناء دولية يعني أنا دلوقتي لو جعلت سيناء دولية هاطحتوا صورتي علي الجنيه السيناوي فأجاب ديان بابتسامة مهللة وكأنه يقول بالطبع, وإذا بالشيخ سالم يقول.. أؤكد لكم أن سيناء مصرية وستظل بنت مصرية100% ولا يملك الحديث فيها إلا السيد الزعيم جمال عبد الناصر وكانت الصاعقة التي نزلت علي الوجوه الصهيونية وما كان من موشي ديان إلا أن أطاح بالمنصة وماعليها ليعود الي بلده وقفاه يقمرعيش. المصير الذي كان ينتظر الشيخ سالم هو الإعدام علي يد الإسرائيليين لولا المخابرات المصرية التي كانت تعلم كل شيء فانتظرته بسيارة جيب ورحلته الي الأردن واسرته الي ميناء العقبة فاستقبل استقبال الفاتحين هناك, وبعد مرور سنوات عاد مرة أخري ليلتقي الزعيم جمال عبد الناصر الذي قدم له مجموعة من الهدايا عبارة عن طبنجة وعباءة وسيارة جيب ولكن الشيخ سالم تبرع بكل شيء للقوات المسلحة عدا العباءة التي اعتبرها رمز وتذكار من ناصر. وبعد نصر1973 عاد الشيخ سالم الي معشوقته سيناء وومنذ عام1981 لم يتذكره أحد وهو تاريخ وفاته إلا في عام2001 حيث تقوم المخابرات بعمل تكريم وإحياء لذكري مؤتمر الحسنة وعندما كان اللواء علي حفظي محافظا لشمال سيناء قام بتكريم كوكب هجرس وهي إحدي زوجات الحاج سالم بجامعة سيناء وأهداها ثلاثة جنيهات ذهبية تقديرا لها. صمتنا لبرهة قبل أن يحكي سيد عودة نصرقصة جده الشهيد نصر عودة ليبدا قائلا.. بعد النكسة أخوي إشتغل مع عميد المجاهدين محمد اليماني ضابط المخابرات المصرية الذي كان يقوذ الخلية, وطلع نصر طلعة وبصحبته ضباط مصريين قادهم عبر الملاحات للاسماعيلية سيرا علي الاقدام وكان عمرهم حينئذ19 عام ومن يومها وحتي هذه اللحظة التي احدثك فيها لم نعثر علي جثته لنقوم حتي بدفنها. في اليوم التالي لطلعته علمنا أن طيارة هليكوبتر قضت عليه فكان بمثابة الجندي المجهول, أبوي حب يتأكد فسافر الي مصر القاهرة وهناك أجابته المخابرات بأن ولده شهيد وأعطوه مظروف فلوس ودعوه للعمرة ببيت الله. هنا تتوقف الحكايات.. والسرد علي لسان الاهل, نقف أمام أحد المجاهدين ونرفع له القبعة إحتراما وتقديرا وإعزازا.. ونستمع لعم سعدي سالم.. هذا الوجه العجوز الذي داعبت التجاعيد كل مللي من وجهه الأسمر وهو يجاهد ولكن هذه المرة كي يرتب الجمل والقصص يجاهد مرض الزهايمر الذي يقف علي حافته.. لم أكن يوما طبيبة بشرية لكن هذا الإنقطاع عن السرد والعودة الي موضوع الحديث بصعوبة لا يفسره إلا الزهايمر الذي هزمناه مع عم سعدي قبل أن يمحو تفاصيل النضال حين بدأ قائلا: مشيت مع الصليب الأحمر وقت الاحتلال الي فلسطين كي أري أهلي المهجرين هناك. ويستكمل بعد أن يؤكد أنها حرارة الشمس السبب في نسيانه المتكرر لما كان يقول أه.. وقتها جندني الشيخ سالم ودربني علي جهاز إنجليزي للتجسس والشفرة.. ويصمت قليلا ويضع يديه علي رأسه ليتذكر ماذا كان يقول, ثم ينظر الي بعينين دامعتين ويقول هي بس الشمس دوختني.. وكدت أجن لأعرف اتدمع هاتان العينان في قلب ذاك الوجه الأسمر إثر النسيان أم الذكري! ويستطرد بعد أن يلقي اليه خالد بأخر ما كان يقول: أه.. صح.. ذهبت الي حدود اسرائيل ووصلت الي القبة الصخرية كي أقوم بالتجسس لمصر, وهناك ودون أن يكتشفني أحد عرض علي الإسرائيليون ساعة ذهبا بها جهاز تجسس لأرتديها واذهب الي الصالحية لاقوم بالتجسس لصالحهم لكنني رفضت أن أخون بلدي عم سعديالمجاهد الذي عرض نفسه للموت ليتجسس لنا أثناء الحرب علي العدو لديه من الأبناء8 ولا يتقاضي أي معاش, وحين سألته: عم تفعل لكسب قوت اليوم قاللي بلغته السيناوية التي لم يقو عليها الزهايمر عليها بنجاهد ونضل نجاهد لنكسب اللقمة بشرف. موسي الرويشد وهو مواطن بسيط, قام بالاستطلاع وخطط ونسف أكثر من30 مستودعا للذخيرة في إسرائيل بواسطة الألغام أثناء معارك أكتوبر1973, وفقد إحدي عينيه وتهشم قفصه الصدري بعد تعذيبه داخل السجون الإسرائيلية. والقصة بدأت عندما وجدموسي أحد جنودنا مصابا بطلق ناري غائر, حمله ووالدته علي الجمل, وبدأوا علاجه بالأعشاب الطبية, وبعد أن تماثل للشفاء تبين أنه مهندس ألغام, دربه ووالدته علي كيفية فك الألغام واكتشافها في الأرض فكانت قصة جهاد موسي.