يختتم اليوم مؤتمر الترجمة وتحديات العصر الدولي الأول أنشطته بقاعات المجلس الأعلي للثقافة, المؤتمر عقد برعاية السيدة سوزان مبارك علي مدار أربعة أيام, واستضاف80 باحثا ومترجما من خارج مصر, منهم المستعرب دينيس جونسون ديفيز وروجر آلان ومارجريت أوبانك وبيدرو مارتينيث مونتابيث وريشار جاكمون وكارمن رويس ومن العالم العربي المترجم فيصل دراج وجلبير الاشقر وعبده وازن وعبد السلام المسدي وثائر ديب ورشيد بنحدو وبدر الدين عرودكي وعبد القادر المهيري وبول شاءول, ناقشوا قضايا متعلقة بالترجمة كجسر للتواصل بين الشعوب وتأثر الهوية الثقافية بالترجمة, واشكالية ترجمة المصطلحات وغيرها من القضايا. وقد افتتح المؤتمر بمحاضرة ألقاها الكاتب والمترجم هاشم صالح, استعرض تجربته مع ترجمة مشروع نقد العقل الاسلامي للكاتب محمد أركون, وقال: ارتبطت بمشروع محمد أركون المدعو بنقد العقل الإسلامي منذ عام1979 1980: أي قبل ثلاثين سنة بالضبط. ولايزال العمل مستمرا حتي الان. وقد يستغرب القارئ وجود علاقة فكرية مطولة إلي مثل هذا الحد. ولكن العلاقات الفكرية ينبغي أن تكون مثابرة وطويلة بطبيعتها لكي تعطي ثمارها. وقال صالح: ما جذبني إلي ترجمة هذا المشروع الشاق هو تحرير الفكر العربي من تصوراته التبجيلية للتراث في محاولة للوصول إلي الصورة التاريخية الحقيقية المضيئةوانتقد صالح التيارات التي تهاجم أية فكرة تنويرية في المجتمعات العربية قائلا: اذا كانوا يقصدون بالثوابت هنا تقييد الأمة بالاصفاد التراثية الماضوية التي عفي عليها الزمن ومنعها من التحرر والانطلاق المرتقب فاننا ضد ثوابت الأمة لأن ذلك يعني اننا سنظل سجناء أنفسنا وشرنقتنا إلي أبد الدهر. وشدد: ليفهم كلامي جيدا لكيلا ينقض علي الاخوان الاصوليون فورا: ثوابت الأمة شيئان: الاسلام واللغة العربية. هذا شيء متفق عليه ولا يناقش. ولكن فهمنا للاسلام غير فهمهم. وأوضح صالح أن مشروع نقد العقل الإسلامي جاء لتفكيك ثوابت الأمة المتحجرة وليس لترسيخها كما يفعل السلفيون, وقال: المخلصون الحقيقيون للتراث هم المجددون لا الامتثاليون المقلدون بكل كسل ورتابة. وأشار إلي أزمة ترجمة المصطلحات العلمية الجديدة قائلا: أثناء ترجمتي لمشروع نقد العقل الإسلامي وجدت أركون يطبق علي تراثنا الإسلامي منهجيات ومصطلحات العلوم الجديدة لذا فقد كنت مضطرا للاطلاع عليها لكي أستطيع ان أترجمها إلي لغتي الأم. وهذا ما أجبرني علي اشتقاق عشرات أو مئات المصطلحات والتركيبات اللغوية الجديدة. الترجمة والهوية الثقافية تناولت جلسات المؤتمر البحثية عدة محاور تتعلق بتأثير الترجمة علي الهوية الثقافية العربية, فقال المترجم أنور عبد الخالق أستاذ النقد الدرامي بجامعة حلوان: الترجمة تعتمد علي التفاعل بين الثقافات وتعكس التيارات السياسية والاجتماعية السائدة في العالم ومن ثم يواجه المترجم المفسر صعوبة نقل ثقافة معينة إلي القارئ ذلك لأنه لابد أن يكون علي دراية تامة بالثقافة الأخري وأن يأخذ في الاعتبار أهمية الهوية الثقافية بالنسبة للنص الأصلي وكذلك النص المترجم, وأحيانا يكون هناك خلاف واضح بين النص الأصلي والنص المترجم ذلك لأن الظروف الفكرية كثيرا ما تفرض علي المترجم التصرف بسبب اختلاف الهوية الثقافية بين مجتمعين. وأكد المترجم السوري حسن صقر علي خطورة الاثر الذي قد تسببه هيمنة توجهات فكرية بعينها علي الترجمات إلي العربية وضرب مثلا بما حدث في سوريا قائلا: في الأربعينيات والخمسينيات انتشرت ترجمات الفلسفة الوجدانية لسارتر وسيمون دي بوفوار وغيرهم ممن أثروا في المناخ العام وهو مادفع عددا من الضباط في الجيش لأن يأتوا الي مصر ويتخذوا قرارا بالوحدة المصرية السورية, فالترجمة أحيانا تبني مزاجا عاما وتصورات,لذا من المهم ألا يسيطر اتجاه واحد علي الترجمات العربية, اذ ان ترجمة التيارات المختلفة تنتج صراعا ثقافيا وفكرا أكثر رسوخا. وعادة ماتواجه النصوص المترجمة مجموعة من العقبات في طريق وصولها للجمهور العربي وهي العقبات التي أشار لها وفي ورقته البحثية الدكتور محمد حافظ دياب قائلا: نظرية التلقي لم تعط أهمية للنص المترجم مثل النص الأصلي, وبما أننا أمام فعل الترجمة وفاعليتها وهما عمليتان متضافرتان فالنص المترجم لن يحقق وجوده دون وصوله لقائه, وتابع دياب: الترجمة كتفاعل تعني إعمال الفكر ولامجرد النقل الي اللغة المترجم اليها, ففعل الترجمة يحقق فاعليته إذا استطاع أن يضيف جماعات تلقي جديدة الي قراء الترجمة, فكلما زادت ابداعية النص المترجم كلما زادت دائرة التلقي له. الترجمة العلمية ومشكلاتها وفي حلقة بحثية حول مشكلات الترجمة العلمية استهلها استاذ طب الجراحة بجامعة الأزهر د. أيمن توفيق باشارته لاحصائية حول نسبة الكتب المترجمة في الدول العربية قائلا: تبلغ نسبة الكتب العلمية المترجمة في الدول العربية2,5% من إجمالي الترجمة ككل واضعا بذلك أزمة الترجمة العلمية علي طاولة النقاش مع استاذ الكيمياء بجامعة سوهاج الدكتور فتح الله الشيخ, واستاذة اللغة الفرنسية بكلية الأدب جامعة الاسكندرية سونيا نجا, وعضو مجلس امناء المركز القومي للترجمة الدكتور مصطفي فهمي. وقال الدكتور أيمن: هناك نفور واضح من ترجمة الكتب العلمية لأنها لاتحقق مبيعات تذكر وشدد علي أهمية أن تصل هذه الترجمات للعامة, وقال:في فترة حكم المأمون كان معظم الشعراء يذكرون اسماء الأطباء الكبار مثل جالينوس وأبقراط وغيرهما في اشعارهم, وهذا يعني انهم كانوا معروفين لعموم الشعب. ويتفق مع هذا الرأي الدكتور مصطفي فهمي الذي أكد أنه لايوجد انتاج جاد في عملية الترجمة العلمية وان الأمر كله يتوقف علي محاولات فردية وأضاف الأزمة أننا ننقل الثقافات عن دول أخري لكننا لانملك ثقافة علمية أصيلة. وألقي الدكتور مصطفي فهمي باللوم علي وسائل الاعلام قائلا: للاعلام دور مهم في تقديم صورة جيدة عن العلوم المترجمة لكن مانراه برامج علمية للاسف يغلب عليها طابع الإثارة فقط, ولاتمت للعلم بصلة, رغم أن الثقافة العلمية الحقيقية مثيرة اكثر من تلك التي تقدمها برامج التليفزيون. واقترحت الدكتورة سونيا أن تدرس لطلاب الكليات العلمية مادة الترجمة العلمية كحل لأزمة ندرة المترجمين العلميين التي يعانيها الوطن العربي وقالت: يجب أن تدرس مقررات الترجمة العلمية في الكليات العلمية حتي تكون هناك لمحة أمل في مستقبل الترجمة العلمية, فدارس المادة العملية قادر أكثر من غيره علي تمييز الثمين من الرخيص.