غادر أحمد الشاب العشريني شقته في الصباح متوجها إلي كلية الإعلام بجامعة القاهرة وكانت ابتسامة جارته العجوز كاريمان هي أول ما صادفه وبعد إلقاء تحية الصباح عليها أمطرته بوابل من الدعوات التي استقبلها هو بابتسامة عريضة. قائلا اللهم آمين كان كل من بالعقار الذي يقع في أحد شوارع حي المعادي يقدر السيدة العجوز ويحترمها ويجلها كثيرا ويجد في دعواتها ملاذا آمنا يتحصن به ضد الشر ويستبشر بها خيرا كل صباح. حيث عاشت العجوز بين جيرانها وكأنها أم ثانية لهم وكأن الشباب ابناؤها والسيدات والرجال اخوتها في جو مفعم بالمودة والمحبة وكان كل ما يعلمه الجيران عن كاريمان أنها وحيدة لا يأتي أحد لزيارتها حتي في المناسبات أو الأعياد وهي بدورها رسخت هذا الأمر لدي جيرانها فأصبحت لا تبرح مكانها مطلقا إلا لأسباب مرضية ويصطحبها حينها أحد الجيران أو فتاة تخدمها أحيانا. وهكذا أصبح الجميع يري في كاريمان ذات ال77 عاما شخصا جديرا بالشفقة والمساعدة رغم أن بعضهم سمع بان لها أقارب يقطنون في حلوان إلا أنهم لم يلاحظوا قيام أي شخص منهم بزيارتها في أي وقت طوال فترة اقامتها بينهم. وفي أحد الأيام وبينما أحمد في طريقه إلي الشارع اشتم رائحة كريهة ازكمت أنفه تنبعث من الطابق الأرضي ظن في البداية أنها لجثة متعفنة لقطة أو فأر ميت ومر وكأن شيئا لم يكن وبعد ساعات قضاها في الجامعة عاد إلي المنزل وإذ به يفاجأ بتلك الرائحة الكريهة وقد ازدادت فواحا وعندما سأل حارس العقار عن السبب أخبره بان الجميع يشكو هذه الرائحة ورغم بحثه المضني إلا أنه لم يجد شيئا ولكن بدأت فكرة تطرأ علي ذهن أحمد الذي انتبه فجأة وقال للحارس هي الريحة دي جاية منين؟ فأجابه الحارس: والله مش عارف يا أستاذ فطلب أحمد منه أن يتبعه لتقصي مكان انبعاث الرائحة وكما توقع الشاب تم اكتشاف مكان انبعاث الرائحة من شقة العجوز وبسؤال الجيران والحارس عن رؤيتهم لها خلال الأيام الماضية أجاب الجميع إجابة واحدة بانهم لم يروها منذ أيام. وعلي الفور توجه أحمد إلي قسم شرطة المعادي وطلب مقابلة المقدم محمد العسيلي رئيس مباحث القسم وقص عليه القصص وعلي الفور أبلغ اللواء أسامة الصغير مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة الذي أخطر النيابة التي أمرت بكسر باب الشقة لبيان سبب الرائحة وعلي الفور انتقلت قوة من المباحث إلي العقار وقامت بكسر باب الشقة ليكتشفوا المفاجأة حيث وجدوا جثة العجوز مسجاة علي سريرها بغرفة نومها بكامل ملابسها جثة هامدة في حالة تعفن رمي وزاد فتح الأبواب والنوافذ من الرائحة التي خرجت في الهواء وكأنها تلعن قسوة قلوب البشر علي سيدة مريضة كانت في حاجة إلي رعاية وعناية خاصة وإذا بالجميع يتخلي عنها ويتركها فريسة سهلة للوحدة والمرض والموت. وبالبحث والتقصي تبين أن لها شقيقا علي قيد الحياة والذي باستدعائه حضر لتسلم جثة شقيقته وسط حالة من السخط بين الجيران والأهالي وشعور متاقض بالندم والحسرة من جانب شقيقها علي تقصيره في حقها. ودع الجيران الجثة وهم يذكرون أنفسهم وابناءهم بنتيجة القطيعة والفراق بين الأهل والأحباب علي الإنسان وحينها فقط بكي أحمد الشاب البريء واجهش بين أحضان والدته التي ذكرته بآيات قرآنية تحض علي التراحم والتزاور بين البشر.