لم تتوقف إيرانوالولاياتالمتحدة لحظة واحدة عن دق طبول الحرب, ولجأ الجانبان مرات عديدة إلي مايعرف بسياسة حافة الهاوية بحثا عن أكبر قدر من التنازلات, ثم التراجع في آخر لحظة. وذلك في ملفات عديدة لعل أبرزها الملف النووي الذي يظهر في الواجهة مخفيا وراءه مصالح مشتركة, ومواجهات, وعض أصابع في ساحات متباينة مثل العراق, وأفغانستان, وفلسطين, وجنوب لبنان, وأخيرا سوريا. وقد بدا واضحا أن ورقة القدرات العسكرية والنووية هي الرابحة حتي الآن بالنسبة لإيران التي اختارت هاوية التهديد بإغلاق مضيق هرمز الذي تمر به ناقلات بترول الخليج إلي العالم وتحديدا حوالي40% من احتياجات الأسواق العالمية. ونظرا لأن إغلاق المضيق يمثل خطا أحمر بالنسبة للأمريكيين, فإن التساؤل الأبرز يدور حول قدرة إيران علي اتقان لعبة حافة الهاوية حتي النهاية, أم أن الأمور يمكن أن تفلت وتقع الواقعة انطلاقا من الخليج. معركة بحرية الحقيقة أن التهديد الايراني ليس هو الأول, فقد سبقته محاولات فعلية في الثمانينات, حيث استخدمت الألغام البحرية والقوارب المطاطية للحرس الثوري في محاولة لوقف الملاحة في المضيق. أما الآن فقد اختلف الوضع, وباتت القوة العسكرية الأمريكية المتمثلة في الأسطول الخامس وقيادته في البحرين اكثر قدرة برأي خبراء عسكريين علي إفشال تلك المحاولة من جانب إيران التي تري كما يقول نائب قائد الحرس الثوري حسين سلامي أن مضيق هرمز جزء من جغرافية بلاده الدفاعية. ويقدر العسكريون قوة حاملة طائرات امريكية واحدة بأنها تعادل القوة الجوية الإيرانبة كاملة. وتستطيع الولاياتالمتحدة توجيه ضربة عسكرية سهلة ضد ايران, فلديها مايكفي من القواعد العسكرية في المنطقة, ويمكنها استعمال القاذفات الاستراتيجية إضافة للاسطول الخامس الموجود بالبحرين. لكن في المقابل تستطيع ايران استخدام مالديها من صواريخ وطائرات مائية في الإغارة علي السفن التي تمر بالمضيق, مستفيدة من الوضع الجغرافي. وهنا يشار إلي أن إسقاط إيران لطائرات تجسس امريكية دون طيار مؤخرا دليل علي تطور إمكانيات طهران التكنولوجية التي تعزز قدرات الردع لديها.ويمكن لإيران لو تمكنت من تطوير رأس نووية أن تحملها علي صاروخ, بينما يمكن أن تتمكن الصواريخ الامريكية المضادة للصواريخ والمنتشرة في الخليج من أن تسقط الصاروخ الايراني لدي اطلاقه. إذن, فسلاح البحرية الايرانية الذي تطور كثيرا في العقدين الاخيرين يمكنه نشر صواريخ مضادة للسفن مع الغواصات والألغام والطائران المائية. الأمر الذي يعني أنه جاهز تماما لأي أمر يصدر بإغلاق المضيق. وفي هذا السياق, جاءت المناورات الايرانية الأخيرة بالخليج والتي جرت خلالها تجرية ثلاثة أنوع من الصواريخ المضادة للسفن. ويقر الأمريكيون بقدرة إيران علي إغلاق المضيق, لكنهم يقولون إن الأمر لن يستغرق سوي أيام قليلة حتي يتم تقويض القوة العسكرية الإيرانية أو تدميرها كليا. أمريكا لاتنام وقد أقر قائد القوات البحرية الامريكية الأميرال جوناثان جرينيرت بأن الاستعداد لصراع محتمل في مضيق هرمز جعل النوم يهجر عينيه. أما الجنرال مارتن ديمبسي رئيس أركان القوات المسلحة الامريكية فقال نعم يمكنهم إغلاقه لكننا سنتخذ خطوات ونعيد فتحه. وبحسب رئيس أركان القوات الجوية الامريكية الجنرال نورتون شوارتس فإن القوات الجوية ستلعب دورا مهما في إعادة فتح المضيق إذا تولت الولاياتالمتحدة هذه المهمة, مشيرا إلي أن القوات ستكفل التفوق الجوي علي مستوي المكان أو علي نطاق أوسع بتقديم الدعم للموارد العسكرية الامريكية الأخري وضمان قنوات اتصال آمنة من خلال الأقمار الصناعية. في الوقت نفسه يري تيار امريكي أن الأمر سيكون فرصة لتدمير منشآت البرنامج النووي الإيراني. من جهة ثانية, دخلت البحرية الملكية البريطانية علي الخط فأعلنت عن إرسال المدمرة إتش. إم,إس. ديرينج في أول مهمة لها في منطقة الخليج, هذه المدمرة التي تكلف تصنيعها مليار جنيه إسترليني. والمزودة بأحدث رادار بحري في العالم, قادر علي تتبع تهديدات من صواريخ وطائرات مقاتلة. ونشر هذه المدمرة التي توصف بأنها من أقوي السفن الحربية كما تقول صحيفة ديلي تلجراف البريطانية سوف يبعث برسالة مهمة إلي الايرانيين الذين يحاولون وجود جبهات مواجهة بحرية بعيدة عن أراضيهم في حالة تدهور الموقف. فاتورة التوتر وفي هذا السياق أيضا, تبدو دول الخليج ومنشآتها النفطية والاقتصادية وبنيتها التحتية أيضا هدفا لضربة إيرانية انتقامية محتملة, وذلك في حالة التعرض يمكن لأي هجوم أمريكي فأيران يمكن ان ترد باقصي تدمير متاح لديها لحرمان الغرب من كامل مستورداته النفطية فضلا عن التعلل بوجود قواعد امريكية في هذه البلدان الخليجية. وهنا يبدو واضحا أن إيران قدمت خدمة جليلة للغرب بتخويف دول المنطقة التي اضطرت وربما دفعت لشراء كم هائل من السلاح, الأمر الذي انعكس في دعم صناعة السلاح الغربية خصوصا أن الولاياتالمتحدة وأوروبا تعيشان ظروفا اقتصادية صعبة. وفي هذا السياق, يأتي تزويد السعودية ب48 طائرة مقاتلة أمريكية بلغت قيمتها92,4 مليار دولار ستوفر3,4 مليار دولار سنويا و05 ألف وظيفة في الولاياتالمتحدة. وهكذا يستمر مسلسل المواجهة الامريكية/ الايرانية, بينما هناك طرف وحيد, علي الأقل حتي الآن وهو العرب عليهم أن يدفعوا فاتورة مايجري وتحمل تبعاته مستقبلا.