كلما مر مزيد من الوقت علي الثورة في سوريا.. ازداد غموض الموقف وتضاعفت التساؤلات بشأن مصير نظام بشار الأسد الذي يري الغرب أنه مضي في طريق اللاعودة. ليبقي السؤال مطروحا في هذا الصدد متي تكون النهاية.. وهل يسقط النظام كما حدث بمصر وتونس وليبيا, وهل يصل الشعب إلي الحرية والكرامة أم تكون النهاية بالسقوط في هاوية حرب أهلية سعت لها مخططات غربية انطلاقا من صراعات طائفية وعرقية ليس في سوريا فقط وإنما فيما يعرف بالشرق الأوسط الجديد. والمتابع لثورات الربيع العربي يجد تمايزا بين الوضع في مصر وتونس عنه ليبيا وكذلك الموقف المختلف في اليمن. فبينما مرت أو تمر الأمور بشيء من السلاسة النسبية في مصر وتونس, تعقد الموقف في ليبيا ولجأ الثوار هناك بالفعل لحلف شمال الأطلسي الذي سرعت ضرباته بسقوط نظام العقيد معمر القذافي. وقد كان للتعقيدات القبلية في ليبيا دور في تأخير سقوط القذافي, كما لعبت هذه التعقيدات الدور الأبرز في تأخير سقوط نظام علي عبد الله صالح باليمن فضلا عن الدعم الغربي لنظام صالح علي خلفية حسابات ومصالح مشتركة في إطار ما يسمي بالحرب علي الإرهاب أو تنظيم القاعدة وحرصا في الوقت نفسه علي سلامة حليف آخر هو السعودية الملاصقة لحدود اليمن. وقد لعبت التمايزات القبلية وتباين المصالح الإقليمية دورا لافتا في الإسراع أو في تأخير سقوط هذا النظام أو ذاك. في المرة الوحيدة التي بدت فيها الأمور بيد الشعوب والجماهير كما هو الحالة في ثورة25 يناير التي يصر أصحابها علي استقلال الإرادة الوطنية ارتبكت حسابات المصالح الأمريكية والغربية.. أما في حالة اللعب مع أنظمة مستبدة كما هو الحال في سوريا واليمن وليبيا وحتي في تونس فإن الأمور تكون أوضح وتكون قواعد اللعبة أكثر سهولة ومن ثم فالحسم أسرع. سوريا.. حسابات مختلفة وتبدو حسابات الأمور في سوريا أكثر اختلافا لعدة أسباب يأتي علي رأسها موقع سوريا الجغرافي وملاصقتها لإسرائيل ووجود أرض سورية محتلة منذ عام1967 هي الجولان الأمر الذي يفتح الباب لنيران قد تطال الدولة اليهودية. لهذا يتحسب الغرب جيدا بل إنه لا يطرح إطلاقا فكرة التدخل العسكري حتي لا ينفجر الوضع في المنطقة. وهنا تبدو العقوبات والضغوط السياسية وخطط التقسيم وتفجير الصراعات حلا وحيدا وناجعا. هناك أيضا علاقة التحالف الوثيق بين سوريا وإيران وهي علاقة تجعل الغرب يحسب حساباته جيدا قبل التفكير في خوض مواجهة من هذا النوع قد تفجر المنطقة في لحظة قد يستفيد فيها حزب الله في لبنان من اقتراب خط التماس مع حدود إسرائيل الشمالية. كما تستطيع إيران فتح جبهة أخري عن طريق العراق مستفيدة من الميليشيات الشيعية التي تستطيع إلحاق ضرر مباشر بقوات أمريكية لم تكمل انسحابها بعد من العراق. يميز الوضع الطائفي ربيع سوريا عن باقي الثورات العربية بشكل قد يفتح الباب لحرب أهلية أو طائفية لن يستطيع فيها الغرب التدخل بشكل مباشر.. حيث تترك المعركة المفتوحة حتي ينتصر هذا الفصيل أو ذاك. كما أن الانشقاقات الحالية في الجيش السوري تفتح الباب وتمهد لهذا السيناريو وهو ما قد ظهرت بوادره بالفعل عبر عمليات نوعية استهدفت مؤخرا مراكز عسكرية محصنة تابعة للمخابرات واخري تخص حزب البعث في قلب دمشق. وبطبيعة الحال فإن ميزان القوة العسكري يميل لصالح الجيش الذي تدين أغلب قياداته بالولاء لصالح نظام بشار الأسد. لكن هذا التوازن قد يتعرض لقدر من الاحتلال مع طول أمد المواجهة وتدفق المساعدات السرية للعسكريين المنشقين وهو أمر لن يكون صعبا علي أجهزة استخبارات غربية وربما عربية لها مصلحة في إسقاط الأسد الذي رفع عنه بالفعل غطاء الجامعة العربية. هناك أيضا تيارات إسلامية تري في الأمر جهادا مطلوبا ضد ما تسميه الأقلية الشيعية الكافرة والتي تحكم أغلبية الشعب السوري.. وهذه التيارات تستطيع توفير مساعدات مالية وبشرية للقيام بعمليات نوعية ضد الجيش الموالي لبشار والذي حرص منذ البداية كما حرص أبوه حافظ الأسد علي إبقاء قيادات تشكيلات الجيش السوري في أيدي الطائفة العلوية التي ينتمي لها, بينما باقي الطوائف كانت موزعة علي مواقع أقل أهمية بالمؤسسة العسكرية وهو الأمر الذي يفسر التأخر النسبي للانشقاقات.