انهار الجهاز الأمني عقب ثورة25 يناير وبعد تسعة أشهر كاملة يبدو كأن الإنهيار يسير في وتيرة متسارعة. لم يكن الجهاز الأمني قبل الثورة مثاليا بأي مقياس فقد كان يعاني مشكلات عديدة أبرزها طغيان أجهزة علي أخري, واهتمامات لا تدخل في صميم العمل الأمني مثل( جهاز أمن الدولة والتوريث) وجهاز الأمن العام وخدمات توابع النظام والتشريفات), وتم خلط الأمن بالسياسة, وغابت رؤية الشرطة في خدمة الشعب إلي الشرطة والشعب في خدمة النظام( الوطن تأدبا). السؤال: هل إصلاح الأمور يقع في دائرة المستحيل؟.. كلا, فبافتراض الرغبة المخلصة في الخروج من النفق المظلم فهناك الكثير مما يمكن انجازه ويكون مروده سريعا. لنأخذ عبرة مما حدث بمصر عقب هزيمة67 وكيف تصدت القيادة السياسية لمسئوليتها. عقب الهزيمة الكارثية في5 يونيو وإعلان الرئيس جمال عبد الناصر تنحيه ثم عدوله عن التنحي في10 يونيو, بدأ عبد الناصر صباح يوم11 يونيو بثلاثة قرارات:- * قبول استقالة قادة الأفرع الرئيسية * إحالة مجموعة من اللواءات وكبار الضباط إلي التقاعد * تعيين قيادة عليا جديدة للقوات المسلحة تتشكل من قائد عام( فريق فوزي), رئيس أركان( فريق عبد المنعم رياض) وقادة القوات الرئيسية. وفي14 يونيو كان الفريق عبد المنعم رياض قد عاد مسرعا من عمان ليتسلم مسئولياته الجديدة كرئيس لهيئة أركان الحرب وفي مقابلته مع الرئيس عبد الناصر أثار عبد المنعم رياض موضوعرجال المشير, وأشار إلي أنه في الفترة التي قضاها المشير علي رأس القوات المسلحة(12 عاما) تكونت مصالح وولاءات اختلط فيها الشخصي بالعام والفردي بالمؤسسي. وفي15 يونيو دار حديث طويل بين الرئيس والمشير حيث طلب منه عبد الناصر الاستمرار في العمل العام ولكن بدون أي دور في القوات المسلحة وهو الطلب الذي رفضه المشير وتفاقمت الأمور إلي نهايتها المعروفة, لكن الدروس والعبر تبقي: فقد قام عبد الناصر وهو ثوري النزعة باتخاذ قرارات سريعة نحو إعادة بناء القوات المسلحة وأول خطوة كانت إعادة هيكلة رأس الجهاز. وعندما أفضي أحد رؤوس الجهاز الجديد بهواجسه من الولاءات وشلل المشير تم حسم الأمر وبسرعة. وفي غضون أيام قليلة كان معظم اللواءات والعمداء في الجيش المصري قد تم استبدالهم بقيادات أخري. وبدأت مصر وبسرعة الاستعداد لخوض حرب الاستنزاف والتجهيز لمرحلة العبور. وفي أعقاب ثورة يناير كنا نتوقع قرارات ثورية مثل:- إحالة جميع اللواءات والعمداء بالداخلية إلي الاستيداع ليس بالضرورة لفشلهم ولكن لأن طبيعة المرحلة مختلفة, ولا مانع من التعويض المادي المناسب, لكن المرحلة الحالية لم تكن تحتمل التقاعس أو التأخير في التغيير ترقية العقداء والمقدمين النابهين لرتبات أعلي تشكيل قيادة أمنية تتكون من وزير داخلية متأجج النشاط ونابه وقريب من قلب الأحداث وتعاونه مجموعة متجانسة من المساعدين يدينون بالولاء للمرحلة المقبلة. قبول دفعات جديدة من الضباط من خريجي الحقوق والكليات الأخري ممن تنطبق عليهم المواصفات. اتخاذ جميع الوسائل اللازمة لبناء الجهاز الأمني بدءا من معدات, سيارات, ولا مانع من طائرات هليكوبتر للانتشار السريع بهدف فرض الأمن وليس قمع المواطن. لا مانع من الاستعانة بخبرات أجنبية في مجال التدريب التقني ولا مانع من الاستعانة بخبرات محلية وأساتذة اجتماعيين ونفسيين في مجال التوعية بحقوق الانسان وترسيخ مفهوم( الشرطة في خدمة الشعب) مع إلقاء نظرة شاملة علي جميع القوانين السيئة السمعة التي تفتح باب إذلال المواطن وتخل بالعقد الاجتماعي بين السلطة والشعب وأولها قانون الطوارئ. وحتي الآن مازلنا نسير في دوائر بدون رؤية. وكانت أحداث9 أكتوبر2011 هي الخاتمة الحزينة للفشل الأمني. فهل هناك أمل في حل اللغز الأمني واتخاذ القرار الصائب؟