أبرز المطالبات التي رفعها اعضاء هيئة التدريس والطلاب هي تغيير القيادات الجامعية, واختيار قيادات جديدة عن طريق الانتخاب المباشر يشارك فيه الطلاب واعضاء هيئة التدريس والعاملون, ومع قرب نهاية العام الدراسي في أعقاب ثورة الشعب المصري في25 يناير شهدت الجامعات المصرية أحداثا تنبيء بأن شباب مصر الذين تصدروا فصول الثورة ومشاهدها سوف يكون لصوتهم التأثير الأكبر في عملية التغيير داخل الجامعات المصرية, فالحركات الاحتجاجية التي تشهدها الجامعات المصرية الآن هي جزء من حركة احتجاج قومي ضد إدارة دولة فاشلة قامت علي استبعاد الآخر, واختيار القيادات وفقا لعلاقات القوة والمصالح داخلها, وضد تجميد الأوضاع في كل مؤسساتها بدعوي الاستقرار, الأمر الذي انعكس سلبا علي عمليات التغيير والتحديث, ولم تكن الجامعات بعيدة عن هذه الدائرة الجهنمية, رغم أنها, وبحكم طبيعتها, لابد أن تقود حركة التغيير والتحديث في المجتمع علي أساس من الديمقراطية والمشاركة في صنع القرار واتخاذه. في هذا الإطار يمكننا أن نفهم حركات الاحتجاج داخل الجامعات المصرية, باعتبارها محاولة لتغيير الأوضاع الراكدة داخل الجامعات, وعلينا أن نستفيد منها في إصلاح هياكل جامعاتنا وإعطائها مزيدا من الاستقلالية والمرونة في اتخاذ كل ما يتعلق بعملها من قرارات, وتحريرها من براثن البيروقراطية وهياكلها التنظيمية القائمة علي التسلط الفوقي, واذا كانت الثورة قد أسقطت, مع النظام السابق, جهاز أمن الدولة بأذرعه العديدة التي كانت ممتدة داخل الجامعات وغيرها من مؤسسات المجتمع, فإن الرهان الآن علي حسن استثمار مناخ الحرية الذي يسود مصر كلها, وتوجيهه داخل الجامعات ليدفع بها الي الأمام والمنافسة مع الجامعات العالمية وفي هذا الإطار تشهد ساحات الجامعات وشبكات التواصل الاجتماعي تكوين التنظيمات والجماعات الداعية الي التغيير, ولعل أبرزها الحركة الأم المعروفة بحركة استقلال الجامعات(9 مارس) والدعوة الي تأسيس نقابة لأعضاء هيئة التدريس, وائتلاف أعضاء الهيئة المعاونة وجامعيون من أجل الإصلاح وغيرها من الحركات والجماعات التي تطرح مطالبها ورؤاها للإصلاح علي أعضاء المجتمع الجامعي, الي جانب ما تشهده الجامعات من تظاهرات واعتصامات يومية. ولعل أبرز المطالبات التي رفعها اعضاء هيئة التدريس والطلاب هي تغيير القيادات الجامعية, واختيار قيادات جديدة عن طريق الانتخاب المباشر يشارك فيه الطلاب واعضاء هيئة التدريس والعاملون, ومع قرب نهاية العام الدراسي واقتراب موعد تغيير القيادات الجامعية, وعدم ظهور أية بوادر لها صفة تشريعية أو قانونية تنظم آلية اختيار هذه القيادات فإن ما يهمنا هنا هو مناقشة الدعوة الي اختيار القيادات الجديدة عن طريق الانتخاب المباشر, وإرساء الأسس التي تضمن حسن اختيارهم من جهة ومشاركة المجتمع الجامعي في هذه العملية من جهة أخري وفي هذا الصدد نطرح عددا من النقاط للنقاش العام: أولا: أن الجامعات هي مشاعل التنوير والتحديث في المجتمع, وهي المنوط بها إحداث نقلة نوعية في المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا, وأن حسن أدائها لوظائفها في مجال البحث العلمي والتدريس وخدمة المجتمع رهن بوجود قيادات تتمتع بالنبوغ الأكاديمي والكفاءة الإدارية والعلاقات الجيدة مع المؤسسات الجامعية والبحثية والإنتاجية والخدمية داخل مصر وخارجها, فضلا عن امتلاكهم لرؤي مستقبلية لتطوير الجامعة وكلياتها. ثانيا: ترتيبا علي النقطة السابقة فإن الجامعات ليست أحزابا سياسية أو أندية رياضية أو مؤسسات اجتماعية تختار قيادتها بالانتخاب المباشر من القاعدة الي القمة, وإنما هي مؤسسات أكاديمية لها رسالتها وتقاليدها وشروطها الخاصة في اختيار قياداتها والتي تبلورت عبر القرون منذ نشأة الجامعات في العصور الوسطي وحتي الآن, ولم تكن عملية اختيار قيادتها في يوم من الأيام تخضع لتقلبات السياسة ولا للتحزبات الاجتماعية عرقية كانت أو دينية أو لغوية, ولا حتي للتحيزات المهنية أو الأكاديمية الضيقة, فكل ذلك من شأنه أن يفقد الجامعة أهم مقومات وجودها وهو استقلالها وحريتها, وعالميتها, وعلمانيتها. ثالثا: إن الأخذ بنظام الانتخاب سوف يكرس عزلة الجامعات عن بعضها البعض, بل سوف يعيد إنتاج نفس القيادات في نفس الجامعة مما يحرمها من الاستفادة بالخبرات المتميزة.