شرعت الاضحية في الاسلام ليس لمجرد الذبح وإراقة الدم فقط وإن كان ذلك من أحد المقاصد وإنما جاءت الاضحية لتكون بمثابة فرصة يتذكر فيها الآباء والابناء القيم النبيلة والمعاني الرفيعة من قصة الفداء والحوار النبوي الذي دار بين خليل الله ابراهيم وولده اسماعيل عليهما السلام ويتعلم المسلم قبول التشريع الالهي وإن كان يتصادم مع رغبات الطبيعة البشرية. يقول الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوي الاسبق ان الله تبارك وتعالي خلق الحيوان أرقي من النبات والجماد, فالحيوان يطأ الجماد يأكل النبات وهو في ذات الوقت أدني من الانسان فهو مخلوق ليأكله الانسان ويستثمره ويسخره. ومن أرقي أنواع الحيوانات الدواب التي تركت وأرقي منها الانعام التي تؤكل فهي سنة الله في خلقه أن يتغذي النبات علي الأرض ويتغذي الحيوان علي النبات وأن يتغذي الانسان علي كل ذلك فهو الخليفة المكلف باعمار الأرض وإدارة وتنمية كل هذه الكائنات فإذا جاء أجل الانسان أكله الموت ويعود الأمر كما كان أول الأمر ولا يبقي غير وجه الله فلا مجال لفلسفة كاذبة تدعي رحمة للحيوان من أن يؤكل فما قيمة هذا الحيوان إن نفق وصار جيفة, إن قيمته أن يكون مسخرا منتفعا به نافعا لما فوقه فذبحه في الاضاحي والعقائق والولائم بل وفي الحياة العادية أمر عادي لا ينبغي أن يتوقف حياله أحد. ويشير الشيخ رضا عبد الحميد إمام وخطيب مسجد الرحمة بالمقطم إلي أن الأضحية شرعت لإحياء سنة ابراهيم عليه السلام وتكون توسعة علي الفقراء والمساكين وفي ذات الوقت هي توجيه للمسلم ليتحول بالعادة إلي عبادة, موضحا أن المولي جل وعلا هو الغني عن العالمين والكل محتاج وفقير إليه. قال تعالي: لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوي منكم وذلك تعظيما لشعائر الله وقال تعالي: ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوي القلوب, والمستفيد من الأضحية هو الانسان وكون الله يحبها يجعل المسلم يسارع في الامتثال لأمره تعالي بذبحها وتقديمها عن طيب نفس لعلمه بثوابها فيعم بذلك نفعها. ويقول الدكتور صلاح زيدان استاذ الشريعة جامعة الأزهر ان كل جانب من جوانب التشريع تهدف إلي تحقيق ما يسعد الناس في دنياهم ويثبتهم في أخراهم وكل عبادة لها أهدافها, وعندما شرع الله سبحانه وتعالي الأضحية فإن ذلك فيما يظهر لنا والله أعلم بمراده أن الهدف إنما هو إعلاء اليقين في حياة المسلمين حتي يرقي إلي ما وصل إليه في صدر ابراهيم واسماعيل عليهما السلام, فإبراهيم ابتلي بأنه أمر بذبح ابنه وهذا ابتلاء عظيم فالذي سيذبح هو الاب دون غيره والمذبوح هو الابن الذي بلغ مع أبيه السعي, وابراهيم عليه السلام تقبل هذا بيقين كامل في عدل الله ورحمته ولما أخبر اسماعيل بما رآه في المنام, وضح أن إسماعيل عليه السلام علي قدر المسئولية في تقبل ما أمر به أبوه عليه السلام, فارتقي يقينهما في الله عز وجل بإسلامهما الأمر لله لقوله تعالي فلما أسلم وتلهة للجبين فعند تلك النقطة من الايمان الهائل بالله سبحانه وتعالي كان الفداء وكان الاكرام. ومن هنا يتضح الهدف من الفداء وليس الهدف منحصرا في طعام وشراب لتشبع الابدان ولكن الهدف انما هو تجديد وتوثيق الايمان بالله سبحانه وتعالي ويضاف إلي ذلك ما تفعله الأضحية من إدخال السرور علي الاسر وإسعاد لها ولجيرانها وللاصدقاء حتي ولو كانوا غير مسلمين, فالاضحية تجدد الفرحة والحب في داخل المجتمع فيسعد الغني كما يسعد الفقير بما يقدم له من الاضحية. ويوضح الشيخ ناجي آدم موجه أول الدعوة والإعلام الديني بالازهر الشريف ان الاضحية تجوز من الابل والبقر والجاموس والضأن والماعز ذكورا أو أناثا ولا يجوز للمضحي ألا يحلق شيئا من شعره أو اظافره تشبها بالحاج ويهدي منها لاقاربه وجيرانه وأصدقائه ولا يشترط تقسيمها فقد ورد ان النبي صلي الله عليه وسلم سأل عائشة ماذا بقي لنا من الاضحية فقالت ذهبت كلها ولم يبق إلا ذراعها. فقال صلي الله عليه وسلم قولي ذهبت الذراع وبقيت كلها ولذا فقد شرعت لرفع الحالة المعنوية للابناء وتنفيذا لسنة النبي الكريم صلي الله عليه وسلم. ويقول الدكتور عبدالمعطي بيومي عميد كلية أصول الدين الاسبق وعضو مجمع البحوث الاسلامية ان الاضحية شرعت لكي يتمتع الفقراء في يوم العيد بسعة الرزق والشراكة في موارد النعمة في اليوم الذي يمثل عيدا كبيرا بعد فريضة كبري من فرائض الاسلام, والاضحية هي منسك من مناسك العبادة في الاسلام وهي منسك توقيفي لا يجوز الاجتهاد فيها ولا يجوز اخراج قيمتها وإنما يجب الامتثال للنص. والنبي صلي الله عليه وسلم قال ما فعل ابن آدم في هذا اليوم خيرا من اهراقه دما وان الدم ليقع عند الله بمكان قبل أن يقع علي الارض قال تعالي لكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله علي ما رزقهم من بهيمة الانعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين صدق الله العظيم.