المليار أصبح رقما متواضعا إلي جانب المبالغ الطائلة التي نسمع ونقرأ عنها في التحقيقات الخاصة بقضايا الفساد, ولكن هذا المليار تحديدا له أهمية قصوي بالنظر لارتباطه الوثيق بما تشهده مصر من أحداث وتطورات عقب ثورة يناير. المليار جنيه التي أشارت الأنباء إلي دخولها مصر علي هيئة تحويلات مباشرة لمنظمات وأفراد خلال الأشهر الستة الماضية قد تكشف جوانب بالغة الأهمية, وتجيب علي أسئلة حائرة حول السخونة المفاجئة التي تصيب مصر كلما هدأت الأحوال نسبيا, إلا أنها سرعان ما تعود إلي التصعيد علي خلفية مشاكل ومطالب بعيدة عما رفعته الثورة التي أرادت نهضة مصر وليس اظلامها وادخالها في متاهات الفوضي. ولن نسبق الأحداث والتحقيقات, وإن كان المطلب الرئيسي والأساسي هو الشفافية المطلقة واعلان الحقائق كاملة غير منقوصة حتي تضع الأمور في نصابها الصحيح, وأن تتخذ الإجراءات الحاسمة والحامية لمصر وشعبها وثورتها. وإذا أثبتت التحقيقات أن هذا المليار ألف مليون جنيه قد جري استخدامه في مشاريع تنموية وفي مساعدات خيرية للتخفيف من هموم الناس, فإننا أول من يصفق لمن قام بذلك, وإن ظلت الحيرة قائمة بسبب عدم علانية هذا التمويل والانفاق المشروع. أما في الحالة الأخري وكشفت التحقيقات عن تمويل مفتوح لأنشطة سياسية واعلامية هي بالفعل موضع تساؤل من الرأي العام, فإن علي أجهزة الدولة سرعة المكاشفة والمحاسبة بلا ابطاء أو تأجيل. لم يعد ممكنا الصمت والتجاهل لهذا العبث المتعمد الذي يحاول ادخال مصر إلي نفق الفوضي والفتنة تحت شعارات مختلفة وأدوات وأقنعة لا تخفي ملامح أصحابها. ولن نضيف الكثير مما يتردد علي ألسنة الجميع من مظاهر البذخ علي فضائيات تذيع الاعلانات مجاملة ومجانا وللايحاء بأن هذه الاعلانات هي مصدر تمويلها, علي الرغم من أن تلك الفضائيات وليدة ولا تملك رصيدا زمنيا يمنحها هذا الكم من الاعلانات. كما أن الريبة والشك في أن المليار القادم قد جاء في وقت تقلصت فيه الاستثمارات الخارجية بدرجة كبيرة جدا, ولو كان أصحاب المليار لديهم النيات الحسنة تجاه مصر وشعبها لجري توجيه الأموال نحو مشروعات تخدم الاقتصاد وتفتح أبواب الرزق أمام الشباب. نريد الحقيقة ناصعة مهما تكن مرارتها, والسرعة وليس التسرع عامل أساسي في الحسم المطلوب.