في تقديري أن عملية التحول الديمقراطي في مصر لن تنتهي بمجرد إجراء انتخابات حرة ونزيهة فمن المأمول أن تشمل تغيرا شاملا في أوجه حياتنا وخاصة في اتجاه خلق مؤسسات تعمل بالأساليب الاحترافية المتبعة عالميا. ومنها وجود إعلام حر وشفاف وقضاء مستقل ونظام حكومي فعال قابل للمحاسبة, يحترم حقوق الانسان. وضمان جدية العملية الانتخابية من أساسيات الدولة الديمقراطية. فتزوير الانتخابات القادمة سوف يقضي علي أمال التغيير وسوف يظهر لنا وللعالم أننا لانستحق هذا التغيير, وهي فرصة أخيرة تقدمها الثورة للانتقال بمصر من أوضاعها المأساوية التي تعيشها منذ عقود, الي مرحلة الدولة العصرية, لذا نتمني ان تعمل الحكومة والمجلس العسكري علي ضمان نزاهتها وفق آطر الشفافية والتنافسية المقبولة دوليا, والمواطنون يستطيعون ان يصنعوا بأيديهم هذه النزاهة, وليس فقط في اختيارهم للأفضل بعيدا عن القبلية والنفوذ التي أوصلتنا لما نحن فيه, ولكن بمراقبة الذات والعملية برمتها كي نجعل من هذه الانتخابات أول خطوة علي الطريق الصحيح. إننا نمارس أول تجربة بعد حقب التزوير الاجباري في الماضي, بهواجس التزوير الذي نتوقع أنه يمارس المرشحون المحترفون من الفلول( خاصة في الصعيد والدلتا) نظرا لعدم إقرار العزل السياسي لمن أفسدوا, وجماعات الاسلام السياسي( التي سبق وأعترفت باستخدامها البلطجية في انتخابات2010 والتي توظف الدين حاليا) وكذلك بقاء العملية في أيدي الداخلية, صاحبة القرار الأول في نتائج الانتخابات المصرية في العصر الحديث. الأمل في النزاهة الانتخابية سوف يرتبط بتحقيق عدة عوامل منها تواجد قوي يراقب ويتابع ويدقق هذه العملية ومراحلها. أولا: يجب التذكير بأن الانتخابات تراقب في مختلف الدول لأن العملية الانتخابية يحدث بها تجاوزات بشكل عام, سواء في عدم احترام القيمة الموضوعة لتكاليف الحملات الانتخابية والتي يمكن ان تصل لأرقام فلكية, أو في خلافات بين مرشحين يمثلون تجمعات وأحزابا وشخصيات مختلفة الميول والتوجهات والأهداف وما يتبع ذلك من عمليات شراء أصوات أو ترهيب الناخبين, سواء من تزوير الأسماء وكشوف الانتخاب, أو باستخدام شعارات دينية أو طائفية مضللة للبسطاء, أو التوظيف غير العادل لوسائل الإعلام( خاصة مع العددالضخم من القنوات الخاصة التي يملكها رجال أعمال وأحزاب). ثانيا: مراقبة الانتخابات لا تهدف فقط الي الكشف عن عمليات الغش والتزوير والعنف والاجراءات غير القانونية لكن المراقبة المستقلة والموضوعية تحقق قبول الأطياف المشاركة لنتائجها, وهذا أهم ضامن لنجاح الانتخابات والانتقال الي المرحلة التالية في التحول الديمقراطي, والتشكيك في النتائج يعني الفشل والرجوع للخلف لذا فإن هناك حاجة ملحة لضمان سلامة العملية الانتخابية ووضوح معايير مراقبتها ورصد المخالفات وتوثيقها ضمن المعايير والأصول المتعارف عليها دوليا. ثالثا: هناك العديد من التجارب الدولية في تشكيل لجان وطنية لمراقبة الانتخابات من منظمات المجتمع المدني تضم منظمات ونشطاء مشهودا لهم في مجال المراقبة, ومصر لديها خبرة طويلة وبها العشرات من المنظمات التي راقبت انتخابات كثيرة, لكن الأمل في قيادة وتنظيم هذه المراقبة وأن يتولاها مثلا المجلس القومي لحقوق الإنسان, المتهم تاريخيا بعدم الحياد, كونه معينا من قبل مجلس الشوري, وقيامه بتوفير غطاء للتزوير في انتخابات سابقة. فإحدي نتائج الثورة كانت في اعادة تشكل المجلس وتطعيمه بشخصيات مشهود لها بالكفاءة والوطنية, وبالتالي فأمانة انقاذ مصر من فشل الانتخابات القادمة توضع في أعناق هؤلاء, واعتقد أن التوافق الوطني علي هذا المجلس سوف يعطيه من الشرعية ما تمكنه من إسكات أصوات التشكيك والتخوين, وأن يقود انشاء لجنة وطنية لمراقبة الانتخابات تعطي المزيد من المصداقية والشفافية والاحترافية وتوحد جهود المراقبة. رابعا: يجب ان تقوم اللجنة العليا للانتخابات في أسرع وقت بالاعلان عن معايير قياس وضبط تمويل الحملات الانتخابية, خاصة أن هناك رجال الأعمال المفسدين في العهد السابق فمن يستطيعون ضخ أموال طائلة, كذلك بعضهم يملك قنوات خاصة تبث دعاية مباشرة وغير مباشرة, وآراء موجهة بمعلومات مغلوطة في الغالب. خامصا: يجب علي منظمات المجتمع المدني الاسراع في تدريب عدد كاف من المراقبين المتخصصين من جهة في التدقيق والمراقبة المالية حتي تتم محاسبة المترشحين عن تكاليف حملاتهم, ومن جهة آخري يجب إعداد متخصصين في الاعلام حتي يتابعوا بث البرامج ويقوموا باحتساب التغطيات وأزمنتها حتي نصل لأعلي درجة ممكنة من التنافسية والعدالة. أخيرا, فإن هذه الانتخابات الأولي التي تجري في غياب دولة داخلية حبيب العادلي والحزب الوطني, وتمثل فرصة يجب اقتناصها لكل من يريد البناء في مصر الجديدة, وحتي وان لم نستطع أن نخرجها علي أحسن وجه ممكن, فإن التأكد من نزاهتها وجديتها سوف يحد من التشكيك في نتائجها, ويمنع عواقب وخيمة قد تعطل عملية الانطلاقة التي ننتظرها لعودة مصرنا الحبيبة لمكانها ومكانتها في العالم.