لم يكن الليل هادئا ولا كان النهار حاملا للراحة بهذه الجملة يصف اللواء عصام سلطان أيامه بمنطقة الدفرسوار خلال حرب الاستنزاف التي مهدت لحرب أكتوبر. يقول اللواء سلطان: كنت وقتها نقيبا بالجيش, وكفل لي موقعي أن أشهد أغلب الأحداث المهمة التي مرت بها منطقة الجبهة خلال حرب الاستنزاف, فقد كنت شاهد عيان علي معركة تسعة مارس واستشهاد اللواء عبدالمنعم رياض, وزيارة عبدالناصر للجبهة, وبناء حائط الصواريخ الذي كنا نبنيه نهارا ونسهر الليل دفاعا عنه ضد الهجمات الإسرائيلية. في الحرب أوكلت إلي النقيب وقتها عصام سلطان, مهمة اقتحام النقطة الحصينة لخط بارليف جنوب القنطرة وهي واحدة من33 نقطة قوية تشكل الخط علي طول الساحل الشرقي للقناة. يكاد سلطان يجزم أن مرحلة التدريب والإعداد للحرب كانت أكثر صعوبة ومشقة من الحرب ذاتها فمن أجل تدريبه ووحدته المقاتلة علي عبور القناة واقتحام خط بارليف تم بناء نموذج مطابق لإحدي النقاط القوية بجوار مصرف بحر البقر وكان علي سلطان وزملائه أن يواصلوا تدريبهم علي اقتحام النموذج لمدة ثلاثة أشهر, في ظروف يبتسم متذكرا إياها وهو يقول: عند مصرف بحر البقر عايشنا لثلاثة أشهر ظروفا لا يحتملها بشر لمدة ساعة واحدة, رائحة لا تطاق, وحشرات مفترسة, علي مدار ثلاثة أشهر استمرت تدريبات سلطان وزملائه, قبل أن تصدر الأوامر بالعودة للجبهة ليشرف علي إعداد مفرزة قتالية تكون مهمتها اقتحام إحدي النقاط الحصينة لخط بارليف, ويروي سلطان تلك المرحلة ويقول: عدت للجبهة.. كان علي أن اختار من المشاة والمهندسين والعتاد ما يكفل لي اقتحام هذه النقطة بنجاح, وبأقل قدر من الخسائر في المعدات والأرواح, كانت لدينا صور جوية للنقاط الحصينة ومعلومات وردتنا عبر جهاز المخابرات حول تركيب النقطة الحصينة وتصميمها ل شكل عصام سلطان مفرزته من فصائل وسريات عدة, منها سريتان من سلاح المهندسين وفصيلة من مقاتلي قاذفات اللهب وفصيلة دخان, وسرية دبابات بالإضافة لسرايا من أسلحة أخري كانت القوة مستعدة تماما لمهمتها التي تدربت عليها واستعدت لتنفيذها تحت إشراف اللواء أركان حرب فاروق منصور, عام1970 ولكن تم تأجيل المهمة والاقتحام حتي صدرت الأوامر بالعبور في السادس من أكتوبر عام1973. كان علي سلطان أن يقسم مفرزته عند عبور القناة نظرا لأن جغرافيا القناة في هذه المنطقة تجعلها تتفرع إلي قناتين تقع عند ملتقاهما النقطة القوية التي كان عليه أن يقتحمها مما جعل مفرزته تقع تحت وابل من النيران أدي لفقد سريتين منها قبل تمام عملية العبور. عند العبور كانت هناك مشكلات أخري في انتظاره, منها وعورة الساتر الترابي, والوقت الذي تستغرقه المضخات لصنع الثغرات فيه, مما كان يضع القوات من جديد تحت النيران لحين إتمام فتح الثغرات التي تتيح الاقتحام. يقول اللواء عصام سلطان الجندي المصري لا يتردد في الهجوم والاقتحام أما الجندي الإسرائيلي فيدفعه الخوف والجبن للاختباء داخل الحصن.. كانوا يغلقون الأبواب الفولاذية السميكة للنقطة الحصينة من الداخل وهم مطمئنون لامتلاكهم للمؤن ولوصول الإمدادات.. كان علينا أن نجد وسيلة لإخراجهم من هذه الحصون القوية. بعد العبور كان علي مهندسي المفرزة الانتهاء من فتح ثلاثة أبواب للنقطة الحصينة, انتهوا من اثنين منها لكن سلطان نفسه وجد عند وصوله مفاجأة أدهشته كنا نقصف النقطة قبل إتمام العبور وفوقنا كان الطيران قد مهد بقصف مكثف فوقها, لكن عند إتمام العبور فوجئت بان النقطة الحصينة علي خط بارليف لم تصب بخدش واحد. لكن هذه المفاجأة لم تدفعه ومقاتليه للتراجع بل زادت من عزمهم علي الاستيلاء علي هذا الحصن الذي بدا منيعا كان إيمانهم بقدرتهم القتالية وبحقهم في الأرض بحسب تعبيره كافيا رغم فقدهم لسريتين من زملائهم مما جعل سلطان يصدر أوامره بفتح ثغرة واحدة عوضا عن ثلاث ثغرات في الساتر المؤدي للنقطة الحصينة ويروي سلطان استغرقنا ساعتين في فتح أول عشرة أمتار من الثغرة وتبقت أربعة أمتار كان علينا فتحها بينما يلوح قناص اسرائيلي من أن لآخر ليصطاد أفضل جنود المفرزة أثناء عملية فتح الثغرة وبدا الوضع يائسا إلي أن قام ضابط يدعي عمر في بطولة هائلة بإلقاء جسده فوق السلك الشائك وطلب منا أن نعبر جميعا علي ظهره كي ينقذنا جميعا من رصاص القناص ويعجل بعملية العبور.. تم الاقتحام وتحصن الجنود الإسرائيليون خلف الباب الفولاذي الأخير, لم تقدر ألغام سلطان وكتيبته علي فتح الباب ليبتكر ضابط آخر فكرة بسيطة لفتحه يقول سلطان قضينا وقتا طويلا في محاولات اخراجهم من الداخل ولم نتمكن من فتح الباب إلي أن طلب مني أحد الضباط السماح له بالتصرف وتركت له زمام المبادرة صعد إلي فتحة التهوية والقي ببراميل السولار إلي الداخل واعطاني الإشارة للتعامل بقاذفات اللهب فاجبرنا الجنود الستة علي فتح الباب من الداخل وينهي سلطان حكايته بالقول: كان لديهم السلاح والمال والعتاد والحصون, وكانت لدينا شجاعة مقاتلينا وإيماننا بحقنا في تطهير ترابنا, وتغلب العنصران وحدهما علي آلة الحرب الضخمة التي كانت تحظي بمساندة الغرب كله.