كان لديها لسان معبر وصوت ينصت إليه كل سامع, كان باستطاعتها نشر الحزن بلحظة وإخفاءه باللحظة ذاتها.. إنها آلة العود التي أعزف عليها بشكل يومي مع بداية دلوك الشمس, وحتي انشقاق الفجر لاستقبل عملي كعامل بناء. وفي إحدي الأماسي, وأنا أعزف بنهم ومتعة عالية فوق سطح البيت, كنت أشعر باني أساعد النجوم علي الانسجام مع القمر والاهتمام بجمال ضيائهما الخافت الذي ينير عتمة الليل. كان الاحساس غاية في الروعة, إلا انه انقلب دونما سابق إنذار حينما تنبهت لأوتار الآلة التي بدأت تتلوي وتتكون وتذبل علي جسدها الرقيق. لم اشعر حينها إلا بالسماء وهي تغادر أضواءها مع توقف اللحن, وسرعان ما صار الكون عتمة قاتمة, واحتفي القمر معلنا حربه مع النجوم. أحسست لحظتها بأن شرايين قلبي تقطعت, وباتت كل اطرافي تستقبل إيعازات عبثية غير منطقية بسبب ضعف وصول الدم إليها. أدرك حينها بان آلتي قررت الانتحار من شدة بأس أصابعي وعنف أظافري التي يكسوها الاسفلت طوال ساعات النهار.