دأغلق هشام عينيه لدقائق ورفع رأسه إلي أعلي وهو يتنهد مستعرضا شريط حياته بخياله شاكرا ربه علي ما أنعم عليه من الأبناء, فقد من الله عليه بالذرية الصالحة والتي تمثلت في3 من الأبناء الذين كثيرا ماحسده القريب والبعيد عليهم. وتذكر كيف كان يداعبهم وهم صغار ويراقب نموهم بتحسسه لأجسادهم قبل وبعد النوم حتي صاروا رجالا وأنه عمل واجتهد ولم يقصر معهم في شيء حتي غمره إحساس بالرضا التام. فجأة أفاق هشام من شروده في سرادق عزاء والده الذي أصر أخواته البنات علي إقامته بل وتكفلن بنفقاته كاملة هب علي صوت صديقه علي الذي شد علي يده قائلا البقية في حياتك وشد حيلك ورد هشام بصوت محشرج شكر الله سعيك. كان عم عبد الله الرجل السبعيني والد هشام رجلا متفردا عن أهله معتزا بنفسه يعيش بين أبنائه ورغم انه دفع سنوات من عمره ثمنا لراحة أبنائه ودعما لهم لكي يتمكنوا من التعلم والزواج وإيجاد فرصة العمل المناسبة إلا أنهم كانوا يقابلون عطاءه بجحود ونكران. كان الأب دائم الشجار مع أبنائه بعد أن اختلفوا معه بدون أسباب واضحة وفضل هو أن يعيش بمفرده باحدي الشقق في العقار ملكه حتي هدأت الأجواء تماما وبدا الأمر وكأن شيئا لم يحدث حتي ظن الجيران والأقارب أن الرجل قد هاجر وترك منزله بعد أن هدأت الأجواء ولم يسمع الناس له ولا لأولاده صوتا بعد أن كانوا يملأون الدنيا ضجيجا كلما اجتمعوا بالمنزل. وبعد مرور أيام تلتها شهور وسنوات استيقظت المدينة في أحد الأيام علي كارثة انسانية مفزعة هزت مشاعر الجميع فقد فوجئ الجيران في بداية الأمر بمياه الصرف الصحي تتسرب من منزل الرجل العجوز إثر انفجار ماسورة مياه بمنزله وفور اكتشاف الجيران لارتفاع منسوب الصرف الصحي داخل منزل عم عبد الله وخوفا من تضررهم من امتدادها إلي منازلهم المجاورة لمنزله وتعرضها للانهيار قام الجيران بالاتصال بنجله هشام الموظف بوزارة الصحة لايجاد حل للمشكلة وعندما نجح في الدخول إلي المنزل كانت المفاجأة التي أذهلت الجميع عندما عثر علي جثة والده عبارة عن هيكل عظمي داخل غرفة نومه وفي حالة تحلل كامل فتم إبلاغ مأمور قسم المحلة أول الذي أمر بتحرير محضر وإحالته للنيابة التي أمرت بنقل العظام إلي المشرحة وبإجراء الكشف الطبي عليها تبين أن الوفاة تعود إلي نحو6 سنوات ماضية دون أن يعلم أحد من أفراد أسرته خاصة أولاده الثلاثة بخبر وفاته حيث لم يتذكره أحد منهم طوال تلك السنوات ولو حتي بمجرد اتصال هاتفي أو زيارة عابرة في المناسبات والأعياد كما أصيب أهالي المنطقة بالذهول والصدمة التي سيطرت عليهم فور اكتشاف الجثة. كما أكد الجيران أن آخر زيارة قام بها أبناؤه له كانت منذ عام2004 نتيجة خلافات نشبت بينهم وأنه ظل بمفرده داخل المنزل منذ وفاة زوجته لم يحظ خلالها بزيارة واحدة من أولاده لمتابعة حالة والدهم المرضية حيث كان يعاني أمراض القلب والضغط والسكر انقطع علي أثرها عن التواصل بالعالم الخارجي. وتساءل الكثيرون بأنه كيف لم يلتفت أحد من الجيران لرائحة الجثة بعد تحللها ومرور6 سنوات عليها وقد صب أهالي المنطقة جام غضبهم علي أولاده الثلاثة الذين قاطعوا والدهم طوال هذه السنوات برغم علمهم بإصابته بأمراض عديدة ومزمنة خاصة انه كان يعيش بمفرده داخل منزله وفي عزلة تامة بعد وفاة زوجته مما يكشف عن غلظة قلوبهم تجاه والدهم العجوز, وقتها أدرك هشام وأخوته حجم الجرم الذي ارتكبوه في حق والدهم وفي حق أنفسهم لعلمهم بعقوبة عقوق الوالدين التي تنال من العبد في الدنيا قبل الآخرة, وتم تحرير محضر بالواقعة وإحالته إلي النيابة وصرحت بدفن الجثة لعدم وجود شبهة جنائية.