اقتربت الانتخابات وأعدت الأحزاب والقوي السياسية فرسانها لسباق الفوز بمقاعد برلمان الثورة في أول موقعة يغيب عنها جمل الحزب المنحل وهلاله وعز ورفاقه ومحترفو التزوير وبائعو الأصوات الممهورة بخاتم مباحث أمن الدولة, ليقول المصريون كلمتهم للمرة الأولي من حناجرهم بعيدا عن الوكلاء والسماسرة. في خضم ذلك السباق, تفرض اللعبة الانتخابية نفسها علي المشهد السياسي, ويصبح ترتيب الأوراق وفق طبيعة المرحلة خاضعا لمبدأ اللي تغلب بيه العب بيه وهو ما دفع بعض الأحزاب إلي الإعلان عن قصر عملية الترشيح لمن سيدفع بهم في الانتخابات علي أسر شهداء الثورة ومصابيها, الأمر الذي رفضه الجميع وثاروا عليه معتبرين أن اتخاذ الشهداء ورقة انتخابية مزايدة سياسية وخسة ووسيلة لتسول الأصوات بدماء الشهداء الذين كانوا الوقود الذي انطلق به قطار ثورة25 يناير داهسا مبارك ونظامه. الدكتور صلاح مندور من مؤسسي حزب التحالف الاشتراكي يؤكد أن تكريم الشهداء ورد الجميل لهم علي ما بذلوه في سبيل أن تنال مصر حريتها ليس بالزج باسمهم في المعركة الانتخابية لجذب الأصوات وتدعيم أي كيان سياسي في رحلته إلي البرلمان, وإنما التكريم يكون برعاية أسر هؤلاء الشهداء وأن يمد الجميع إليهم يد العون, وعلي رأسهم الدولة, لتوفير العلاج علي نفقة الدولة والمعاش وفرصة العمل لمن يحتاج منهم, معتبرا أن الدفع بأفراد من هذه الأسر في ماراثون الانتخابات نوع من الانتهازية السياسية واستغلال دماء شريفة وأوجاع الناس في تحقيق مكاسب حزبية, وهذا أمر مرفوض تماما حسب تعبيره. المفروض أن تسعي الأحزاب لوضع برامج تتضمن بنودا ليست قليلة تخص شهداء الثورة ومصابيها لأن ذلك فرض عين علي جميع الأحزاب والتيارات السياسية التي يجب أن تتسابق فيما بينها علي خدمة هذه الفئة التي بذلت الكثير حتل نصل لما نحن فيه الآن, يقول مندور مؤكدا أن إدارة شئون المجتمع سياسيا تتطلب قدرا كبيرا من الوعي والخبرة قد لا يكونان متوفرين في أسر الشهداء ومصابي الثورة, دون أن يستبعد مندور من يثبت قدرته من هؤلاء علي التمثيل النيابي من نبوء تلك المكانة فهو أولي في هذه الحالة من غيره علي حد قوله. ثم عاد ليشدد علي ضرورة ألا يسعي حزب إلي أن يتسول أصوات الناخبين باسم الشهداء وذويهم لأن ذلك يعد انتقاصا من الشهيد وإهانة لدمائه الشريفة وتضحيته الكبيرة التي قال عنها الشاعر: جاد بالروح إذ ضن البخيل بها... والجود بالروح أسمي آيات الجودة. ودعني أقول لك, والكلام للدكتور مندور, إن هناك انفلاتا حزبيا مثل الانفلاتين الأمني والاخلافي اللذين تعانيهما شوارعنا ومجتمعنا, فهناك عدد كبير من الأحزاب علي الساحة الآن, لكن الانتخابات المقبلة ستقلص هذا العدد ولن يبقي سوي الحزب الأقدر علي البقاء بإرادة الشعب وقوة برنامجه ومدي تفعيله في خدمة المواطنين لا الاسترزاق منهم والاتجار بأوجاعهم. أما هلال الدندراوي أمين حزب التجمع بأسوان فيري أن المتاجرة بدماء الشهداء في لعبة الانتخابات خسة وانتهازية لن يجني من يمارسها سوي اشمئزاز الناخبين لا أصواتهم, لأن وعي الناس حسب قوله تغير بعد الثورة للأفضل ولن يقبلوا بحق شهداء ومصابي ثورتهم المجيدة سوي التكريم والرعاية اللامحدودة. وقال الدندراوي إن الحزب الذي يلجأ إلي تلك الحيلة هو حزب ضعيف وكارتوني لا يثق في قدراته وفاعليته بين الجماهير, كما أنه حزب وهمي عجز عن إثبات ذاته بين الأحياء فراح يبحث عن مكانة بين شهداء في مقعد صدق لن يبلغه من يتلاعب ويصطاد هدفه بتلك الحيل وإنما من يبذل روحه فداء وطنه وحريته, لافتا إلي أن المتاجرة بدم الشهداء لون من ألوان الفساد في ثوبه الجديد ودعا الناخبين إلي التيقظ والحذر ممن سماهم المتسلقيين علي أرواح الشهداء. المهندس صبري خلف الله النائب الإخواني السابق ومسئول المكتب الإداري لجماعة الإخوان المسلمين بالإسماعيلية يقول: إن رد الجميل لشهداء الثورة بالقصاص ممن قتلوهم وأطلقوا عليهم الرصاص وليس ن ضمن المساعدات أن تدخلهم البرلمان, والقول بالدفع بأسرهم في الانتخابات مزايدة وشغل جمعيات خيرية لا علاقة له بالسياسة كما أنه إهانة للشهداء بدلا من تكريمهم فالمرحلة المقبلة تحتاج إلي ثورة تشريعية ودستور جديد يحتاج إلي أشخاص مؤهلين ذوي شعبية ورصيد من الخدمات ورؤية سياسية تتوافق مع طبيعة المرحلتين الراهنة والمقبلة. وأضاف خلف الله هذا توجه شاذ وغريب, ولن يجني أصحابه من ورائه شيئا, لأن شعب مصر سيقدم من خلال الأحزاب نوابا من مختلف الأطياف السياسية يخدمون ناخبيهم وعلي رأسهم أسر شهدائنا الأبرار ومصابو الثورة ويوفونهم ما يستحقونه من التكريم. أسر الشهداء لم تختلف رؤيتهم لتلك الخطوة مع معارضيها السابقين, فهم يرون أن الدفع بهم في خضم المعركة الانتخابية مزايدة يريد البعض أن يتخذهم فيها بمثابة سلم يصلون من خلاله إلي مقاعد البرلمان بحسب تامر(32 سنة) محاسب وشقيق الشهيد محمد سليمان. تامر يؤكد أن أسر الشهداء ليسوا أهل سياسة ولاهم بحاجة إلي البرلمان ومقاعده بقدر ما يتعطشون إلي القصاص من قتلة أبنائهم الشهداء بعيدا عن الأحزاب الهشة, علي حد وصفه, التي تبحث عن تدعيم موقفها بدماء الشهداء واستغلال أسرهم وقودا للمعركة الانتخابية, قائلا: لا نريد مرشحين تورطوا في قتل الشهداء ويمثلون ذيولا للنظام الفاسد فقط نريد انتخابات نزيهة ومرشحين مخلصين يعبرون عن إرادة الجماهير, حتي نطمئن أن دماء شهدائنا لم تسل هدرا. ودعا تامر إلي تقييد النائب ومنحه الحصانة البرلمانية فقط تحت قبة مجلس الشعب حتي يستطيع أن يواجه بها رئيس الدولة والوزراء وأي مسئول, علي أن تنزع منه تلك الحصانة فور خروجه من المجلس إلي الشارع كي لا يستخدمها أداة للبطش والافتراء علي خلق الله.