!تشهد سيناء تلك المنطقة التي تحتل مكانا كبيرا بقلب كل مصري مجموعة من الأحداث الداخلية والخارجية المؤسفة, والتي يتكشف عنها ما يشير الي وجود خلل ما في التعامل مع الملف السيناوي, هذا الخلل يعود لثلاثين عاما مضت كانت فيها سيناء رقعة من أرض مصر, بخلاف معاملة اهلها كمواطنين من الدرجة الثانية, مما أدي إلي تسريب بعض الأفكار المتطرفة التي وجدت تربة خصبة تنمو فيها, ومقابل هذا يسعي أهل سيناء لإحتواء تلك الأحداث والتصدي لتلك الأفكار بسبب غياب دور الدولة لعدم تفهمها حتي الآن لطبيعة الملف السيناوي الذي تعاملت معه طوال الوقت كملف امني. حاول الاهرام المسائي أن يقف علي اهم الاسباب التي أدت لهذه الفوضي من خلال بعض المثقفين والكتاب من ابناء سيناء والوصول معهم لمقترحات ترتفع بسيناء بعيدا عن الفوضي, لتجد لنفسها مكانا وسط خطط التنمية. قال الكاتب عبدالله السلايمة ان سيناء استمدت استراتيجيتها من جغرافيتها, تلك الجغرافيا التي تجعل منها ملاذا يسهل علي العناصر المتطرفة في الداخل تمرير مخططاتهم التخريبية, ناهيك عن المخاطر التي تحيق بالوطن من الخارج. اضاف انه من الغريب والمثير للريبة انه رغم معرفة نطام مبارك البائد بما يحيق بسيناء من أخطار نتيجة محدودية وجود الجيش, فإن هذا النظام زاد من حجم هذه الأخطار بمحاولته طيلة الأعوام الثلاثين الماضية تفكيك وحدة القبائل في سيناء عن طريق تزكية الفتنة, وبث روح الفرقة بينها. وقام النظام البائد بمحاولة فاشلة لتصوير سيناء للعالم علي انها بؤرة إرهاب, ومصدر إزعاج للسلطة, وان ابناء سيناء ليسوا أكثر من مجموعة مارقة, لذا لا يستحقون غير التعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثانية, والنظر إليهم علي الدوام بعين التخوين والعمالة وعدم الانتماء, إضافة الي حرمان أهل سيناء من أبسط حقوقهم مثل تملك أراضيهم بحجة أنهم يسكنون منطقة حدودية, وحرمان أبنائهم من الالتحاق بالكليات السيادية مثل كليتي الشرطة والحربية. ومارسوا القمع في أبشع صوره ضد أهل سيناء, الذين عانوا علي مدي سنوات ليست بالقليلة من الاعتقالات المجانية, والملاحقات الامنية التي تسببت في هجرة اكثر من600 اسرة من البدو, والأحكام الغيابية سبعة آلاف حكم وتم التعامل مع سيناء كملف أمني, وأصبح رجال الأمن يقتلون علي الهوية. هذا المخزون من العداء ضد نظام مبارك كان السبب الرئيسي وراء كل ما يمكن تسميته بالتجاوزات أو حالة الفوضي التي لاتتعدي حسب مفهوم العامة حقهم في ممارسة الحرية كاملة بلا رقيب يعد عليهم انفاسها, حرية استغلها البعض لتحقيق ثراء سريع من تجارة الانفاق الممتدة ما بين الرفحين المصرية والفلسطينية, ما وكان سببا لوجود ما يسمي بطبقة الاثرياء الجدد الذين سوف يشكلون في المرحلة القادمة واقعا جديدا علي ارض سيناء تغلب عليه سمة المصالح الشخصية, واستغل البعض الاخر حالة الفوضي الحادثة لتصفية حسابات قديمة زادت من حدة الفرقة بين القبائل. وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال عدم إدراك أبناء سيناء خاصة المثقفين منهم بما يمكن ان تسببه هذه الحرية المطلقة من أخطار محتملة, لذا حاولوا الاحتراز من خلال قيامهم بتشكيل لجان شعبية لم تأخذ علي عاتقها تولي مهمة حماية الديار من الداخل فقط, بل حماية حدودها من أي أخطار قد تفاجئهم من الخارج. الأنفاق معبر الأفكار المتطرفة ويشير الشاعر أشرف العناني الي الانسحاب الاحادي الطرف من غزة, الذي اقره شارون ووصف بالقرار الجنوني, لكن رغم انسحاب شارون من غزة, لكنه ظل يحاصرها من الداخل, وحتي يكتمل السيناريو الخيالي والبسيط في الوقت ذاته تخلي عن الحدود بين قطاع غزةوسيناء لسبب بسيط وهو أن تتدحرج كرة النار بهدوء في اتجاه مصر. وراحوا يسربون بين الحين والآخر لإعلامهم المؤثر عن فكرة الوطن البديل للفلسطينيين في سيناء والأردن, فما الذي دعاهم هكذا يفرطون في التفاؤل, انه الارتباك والتماهي المصري في عهد النظام السابق. اضاف ان ما فعله النظام السابق امام هذا كان قمة العبث فبدلا من استيعاب مغزي سيناريو شارون راح يساعده بجهل أو تواطؤ, عن طريق الإصرار العجيب علي غلق معبر رفح في وجه شعب محاصر بالحديد والنار الإسرائيلي وأنت النقطة الاضعف في ظل قيود صارمة وظالمة وضعتها كامب ديفيد علي تجهيزاتك الأمنية وأعداد جنودك. أكثر من مرة انفجر الوضع باتجاهك ولم تستوعب الدرس, انهارت الحدود وعبر مئات الآلاف من الفلسطينيين الي سيناء مرتين متتاليتين ولم تفهم, ومع الإصرار علي إغلاق معبر رفح, كان البديل السحري وهو انفاق الحدود, ألف ثغرة تحت أرضية علي اتساع المساحة الفاصلة بين رفح المصرية وشقيقتها الفلسطينية, هذه الثغرات غير الخاضعة للسيطرة عبر منها كل شيء, حتي الأفكار ايضا عبرت من هنا, ولكن في اتجاه واحد, ولما كانت غزة حافلة بكل الاتجاهات الراديكالية منها وغير الراديكالية خصوصا تلك التي تحمل طابعا إسلاميا عبرت كل هذه الافكار لتصيب سيناء بالعدوي. المواطنة نقطة البداية ويقول الشاعر البدوي الشيخ موسي الدلح ان الوعي بمعني المواطنة هو نقطة البدء الأساسية في تشكيل نظرة الانسان الي نفسه والي بلاده, والي شركائه لانه علي اساس هذه المشاركة يكون الانتماء وتكون الوطنية وأضاف محذرا: ان غياب حقوق المواطنة يؤدي الي تداعي الشعور بالانتماء الي الوطن, وتباين امتلاك الأفراد لهذه الحقوق يؤدي الي تفجر قضايا التمييز التعسفي والعنصري ويفكك روابط التكامل الوطني ويؤكد ان مفهوم المواطنة يجب ان يبني علي الثقافة الوطنية العامة وان يكون معبرا عن حالة التنوع والتعدد الموجود في الوطن, وألا تقتصر علي ثقافة فئة او مجموعة معينة, وإنما هي ثقافة الوطن لكل تنوعاته وعناصره, ويكون دور الدولة ومؤسساتها هو توفير المناخ القانوني والاجتماعي وبناء الأطر والمؤسسات القادرة علي احتضان الجميع. ويأمل الدلح في ملحمة حوار وطنية مصرية خالصة لا تبغي سوي رفعة وعزة وكرامة الوطن, فالجميع واحد والوطن واحد والكرامة واحدة وان اختلفنا في الألوان واللهجات والأزياء والمذاهب والافكار إلا أننا تجمعنا في النهاية بوتقة سحرية واحدة هي مصر. فيما أكد الناقد الأدبي د. صلاح فاروق أن النظام السابق نجح في زرع الفرقة بيننا, من هنا شاركت في محاولات التآلف أو ماسمي بالائتلافات, سعيا إلي وأد نار الفتنة, ومحاولة للخروج من هذا النفق المظلم. وللأمانة نجحت إلي حد ما هذه المساعي, برغم أن المشاركين فيها لم يكونوا كلهم يهدفون إلي الإصلاح وإنما قصدوا من ذلك المصلحة الخاصة أو ركوب الموجة علي مايقولون. ورأيت في الشارع مسيرات عدة, من شباب مخلص لوطنه, وحكماء يفهمون ماتحتاج إليه سيناء, يرفضون الفتنة, ويرفضون عداوة أبناء العمومة, ولولا تحركات هؤلاء التي واصلت الليل بالنهار ربما لم نكن نصل إلي هذا الوضع شبه المستقر في العريش. مشروعات التنمية هي الحل ومن جهته قال الناقد د. ماجد الرقيبة يبدو أن سكان سيناء لم تعنهم الثورة باعتبارها فعلا خارج الوجود والكينونة, لكنها عمل دفاعي محض نتيجة لدوافع تراكمت عبر فترة تاريخية محددة, إذ وجد البدوي نفسه نتيجتها مدفوعا دفعا إلي المعمعة, هذا ربما لظروفه النفسية والجغرافية التي تخصه وحده. ولفت القاص سعيد رمضان إلي أن الناس هنا تريد سماع صوت يخرجهم من القلق الذي يضغط عليهم من تلك الأفكار عن التعمير لمنع الاحتلال والجدار البشري العازل, والحديث عن توطين ثلاثة ملايين مواطن, في خطة المشروع الذي مات وأقصد به المشروع القومي لتنمية سيناء. إذ بعد وفاة المشروع القومي لتنمية سيناء, الذي بدأ حياته عام1994, ظهر مشروع القوات المسلحة الأخيرة, بتوطين مليون نسمة بحلول عام2036, أي يحتاج لخمسة وعشرين عاما ليتحقق, وهو مشروع إعلامي قبل أن يكون واقعيا, اعتمد بعض آفكاره علي أفكار قديمة كانت موجودة بالمشروع القومي لتنمية سيناء, مثل توطين مليون مواطن, وزراعة واستصلاح400 ألف فدان في شمال سيناء علي ضفاف ترعة السلام. اما مسألة توطين مليون أو ملايين فهي أمل ننتظر أن يتحقق, رغم انه يناقض الواقع, لأن المشكلة التي ستظهر, أن سكان سيناء أيضا المقيمين فيها حاليا, لديهم أولادهم, وهم بحاجة لفرص عمل, وفي حالة عدم وجودها, سيتجهون لمحافظات مجاوره بحثا عنها, والبطالة جعلت البعض يتجه لعمليات تهريب وسرقة وزراعة الممنوعات. كما ان وجود المشروعات والمصانع محدود بسيناء, وكل الأحاديث عن المشروعات الضخمة ذهب مع الريح, وتم الاكتفاء بقري سياحية تستهلك ولاتنتج, أما الشواطيء فالسياحة فيها تتآكل, ومع استمرار زعزعة الأمن ستخلو سيناء من السياح. مشكلة اخري نضعها في الصورة تمنع الاستقرار, مثل الإرهاب والقتل وقطع الطرق.. لكن كل ذلك طارئ سوف يختفي, ذلك أن سيناء بطبيعة تكوينها غير قابلة للاستغراق في عمليات التطرف او التشدد الأيديولوجي, وغير قابلة للخروج عن عرف القبيلة, وأي كلام عن امارة إسلامية وغيره هو وهم وخرافة من الخرافات. لغة السلاح تسيدت المواقف