أصبح واضحا أن الوعود الحكومية لم تعد كافية لإنهاء الإضرابات والاعتصامات المتزايدة, التي لا تهدد الاقتصاد فحسب, وإنما تؤثر سلبا علي الاستقرار اللازم لترتيب مجمل الأوضاع السياسية وإعادة دوران عجلة الإنتاج واستعادة الانضباط في الشارع المصري.. التصريحات والمواقف الرسمية تؤكد دائما علي مشروعية المطالب التي ترفعها الفئات الأقل دخلا, وباعتبار أن أصحابها هم من الملايين الذين انضموا إلي شباب25 يناير فتحولت لثورة اقتلعت النظام السابق, وكان السبب الأول في نزولهم إلي الشارع ذلك الغضب العارم نتيجة غياب العدالة في توزيع ثروات الوطن التي اقتصرت علي شريحة واحدة من البطانة الفاسدة والمتربحين من المال العام. وبناء علي هذه الحقيقة انتظر كل مظلوم أن ينال نصيبه من العدالة بعد الثورة, وأن تتغير حياته المعيشية إلي الأفضل, ولكن الواقع يشير إلي عكس ذلك, بل قد تزداد الأمور سوءا بسبب الانفلات الأمني, وتوقف الكثير من المصانع والمشروعات والتراجع الحاد في الاستثمارات والسياحة والصادرات وغيرها.. وإذا أضفنا لذلك كله غياب الرؤية التفاوضية البعيدة عن المشاعر والانفعالات, فإننا نكون أمام دائرة لا تنتهي من الأزمات التي تستنزف الوقت والجهد والمال سواء من الدولة وموازنتها العامة ومن الشركات المعطلة والمؤسسات الخاسرة وأيضا المواطن نفسه الذي تحول إلي فريسة سهلة للضغوط النفسية, وبات علي أعتاب الانفجار المؤدي للفوضي الشاملة.. أمام هذه المعادلة لابد من تصحيح عاجل يطرح الأبعاد الحقيقية للأزمة وأن يقوم كل مسئول عن وزارة أو مؤسسة ومنشأة تتعرض لمشاكل داخلها بأن يعقد اتفاقا مكتوبا وليس مجرد وعود شفهية بأن يجري الالتزام بتعديل المرتبات والحوافز في موعد غايته بداية السنة المالية الجديدة, وتوقيع وإعلان القرارات الملزمة, وبدلا من الجدل الدائر حول الحد الأدني فإن الدولة ومن يمثلها ستعرض ما هو أكثر من ذلك إذا التزم الجميع بالانخراط في العمل فورا لتعويض الخسائر والخروج من نفق الخسائر المتراكمة. مثل هذه المهلة المحددة المدة ستتيح لمصر النهوض اقتصاديا وأن تلبي كل المطالب المشروعة, خاصة ونحن نسير علي طريق إعادة بناء مؤسسات الدولة وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي تحتاج إلي اجواء الاستقرار حتي تمضي وفق القواعد المقررة والضامنة لحريتها ونزاهتها. لم يعد ممكنا الاستمرار علي طريق الاضرابات والاعتصامات, وإذا كنا علي ثقة بان هناك نهضة كبري تنتظر مصر, فليس أقل من مهلة لأقل من عام سوف يتقبلها الجميع إذا جاءت بقرارات مكتوبة وواضحة وشفافة ولا رجعة عنها. muradezzelarab@hotmailcom