وصلت الحملة الانتخابية للأحزاب الدنماركية أمس الي نهايتها وألقي كل حزب بأوراقه وحججه لاقناع الناخبين بأنه الأجدر بتمثيلهم في البرلمان ولم يعد أمام المرشحين سوي الانتظار لما سيقوله الناخبون اليوم داخل صناديق الاقتراع. والذي ستتوقف عليه مسيرة الدنمارك لمدة أربعة أعوام وفي الحقيقة لم يدخر أي حزب أي جهد من لحظة الإعلان عن موعد الانتخابات المبكرة في26 أغسطس الماضي الماضي وحتي فتح أبواب صناديق الاقتراع ولم يترك أي شئ للصدفة أو الحظ فكل تحرك تم دراسته بعناية ومعروف الهدف منه واعضاء الحزب وشبابه بذلوا جهدا هائلا للترويج لمرشحيهم وبرامجهم لاستمالة الناخبين بكل الطرق وقد أبدع شباب الأحزاب في ابتكار وسائل غير تقليدية للدعاية للمرشحين وكذلك للنيل من الخصوم ووصلوا الي درجة بعيدة من النقد وكان النصيب الأكبر لرئيس الوزراء المنتهية ولايته لوكي راسموسن وزعيم تحالف يمين الوسط الحاكم حيث صوره أحد الملصقات عاريا تماما إلا من بعض الأوراق الصغيرة التي تستر عورته في إشارة الي تعرية سياساته حتي علاقته الخاصة مع زوجته وفي المقابل صور ملصق آخر زعيمة المعارضة هيلله سميدت فوق سريرها وحيدة في إشارة الي أنها تعاني من الوحدة ومعروف أن زوج شميدت يعيش في بريطانيا وهو ناشط سياسي في لندن ولا يأتي إلي الدنمارك سوي في عطلة نهاية الأسبوع, والمثير والعجيب أن مقار الحزب تحولت إلي خلايا نحل من المتطوعين الذين شاركوا في الحملة الانتخابية وإدارتها علي مواقع الإنترنت وفي البرامج بالإذاعة ومحطات التليفزيون ووصل الأمر إلي النزول إلي الشوارع للفت الانظار لمرشحيهم وحمل اللافتات الدعائية كما أن بعض المشاركين في هذه الحملات أطفال لا تتجاوز أعمارهم15 عاما لكنهم يؤدون عملهم باتقان وتفان وحرفية تبعث علي الدهشة ويكفي ان أحد الاطفال ابتكر طريقة للترويج لفريقه السياسي عن طريق الجلوس داخل قفص حديدي في أحد شوارع العاصمة كوبنهاجن ومن الأمور اللافتة الحضور القوي للشباب داخل الاحزاب وانخراطهم في ممارسة العمل السياسي منذ نعومة أظفارهم وقد التقينا بمرشح عن ائتلاف يمين الوسط(29 عاما) وانخرط في النشاط السياسي منذ8 سنوات, وهو يملك من الطموح والإرادة, مما يؤشر علي امكان فوزه ومشاركته في الحكومة وربما قاده الطموح إلي أبعد من ذلك, ويشكل الحكومة وهو نموذج نهديه للشباب المصري الذي اقصي عن السياسة لسنوات وتم اتهامه بالسلبية قبل أن يكشر عن نفسه ويعود إليها من الباب الواسع مع ثورة25 يناير التي أنهت زمن الاستبداد وضخت دماء جديدة في شرايين العمل السياسي. اليوم يتطلع المراقبون والمحللون نحو الدنمارك لمعرفة نقطة النهاية لماراثون الثلاثة اسابيع وما إذا كانت سميدت ستفوز بمنصب رئيس الحكومة لتكون سيدة تتبو أرفع منصب سياسي في البلاد, ومن خلال وجودي هنا استطيع أن أقول ان المزاج العام يميل إلي التغيير كما لمست تعاطف الكثيرين مع زعيمة المعارضة لاسيما بعد ظهورها المدهش في المناظرة التي جمعتها مع راسموسن وبدت واثقة وقادرة علي الدفاع عن مواقفها وسياساتها كما نجحت برأي عدد كبير من المراقبين في ان تضع منافسها في موضوع الدفاع وهو ما سيكون له مردود علي الأرجح اليوم داخل صناديق الاقتراع لكن هذا لا يعني مطلقا أن المعركة قد حسمت لأن الانتخابات لا يمكن أن تحسم قبل إعلان النتائج النهائية, وقد دفع الظهور القوي لزعيمة المعارضة في المناظرة التي اجريت الأحد إلي ذهاب البعض إلي حتمية فوزها وحصولها علي أغلبية92 مقدا في البرلمان مما يضمن الاستقرار لحكومتها لكن يتحفظ فريق آخر لاسيما في ظل مقاتلة الائتلاف الحاكم علي كل صوت وعدم تسليمه بالهزيمة برغم اعتراف اقطابه بأنهم يواجهون خصما عنيدا ويخوضون معركة شرسة. إن التجربة الدنماركة تستحق الدراسة والتأمل ونح علي بعد اسابيع من إجراء أول انتخابات ديمقراطية حرة وشفافة بعد الثورة لكن ليس بطريقة فيلم الزعيم عادل إمام الذي يحمل نفس الاسم خاصة ان النفوذ الدنماركي أخذ في التعاظم في المنطقة العربية ومصر تحديدا, وهم يملكون رصيدا من النجاح, حيث تمكنت دولة صغيرة العدد من ان تناطح الكبار في أوروبا وتبني اقتصادا قويا وفوق هذا وبعده فلم يعد أحد بمقدوره تجاهل الدنمارك كقوة فاعلة في المنطقة, فهي من طليعة المشاركين في غزو أفغانستان ثم العراق علي خليفة ما يسمي ب الحرب علي الإرهاب, كما أنها شاركت وماتزال في عمليات حلف الناتو بليبيا وكانت من أوائل الدول التي اعترفت بالمجلس الانتقالي الليبي, وهي مرشحة للمشاركة في أي عمل يقرره الغرب بشأن سوريا. وفي ضوء هذه المعطيات تصبح انتخابات الدنمارك أكبر من مجرد معركة داخلية يتصارع عليها السياسيون لأن ما بعدها لن يكون مثل ما قبلها أو هكذا ينبغي, وهذا عهدنا بالدول الديمقراطية التي برئ السياسيون فيها من مرض التأبيد في مقاعد السلطة فالإرادة هي إرادة الناخب وهو السيد الرئيس وغيرها من الاختراعات التي كان احدثها لعنة التوريث لكن من لطف الله أنه تم إجهاضها بفضل الربيع العربي والثورات التي انطلقت من تونس واكتسبت زخما كبيرا من مصر وزحفت إلي ليبيا وسوريا واليمن مبشرة بتغيير وجه المنطقة وإعادة صياغة قواعد اللعبة بين الحاكم والمحكوم.