إن الناظر فى أحوال الناس اليوم يجد غياب أدب الاختلاف فى الرأى لدى الكثيرين إلا من رحم الله فما أن تختلف وجهات النظر حول قضية من القضايا أو وسيلة من الوسائل إلا ويتحول الحوار بسبب الاختلاف فى وجهات النظر إلى مشادات كلامية، وتلفظ بألفاظ نابية، أو كتابات وتعليقات لا تليق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والبعض يحمله الاختلاف على انتقاص المخالف وتجريحه وتصيد الأخطاء له وتتبع عثراته والتفتيش فى نيته وإساءة الظن به وقد يؤدى الاختلاف فى أحيانا كثيرة إلى الفرقة والقطيعة مع أن الاختلاف كان ولا يزال يعيش معنا وينبغى أن نسلم به ونحاول تطويره والانتقال به إلى الحالة الإيجابية وألا يؤدى إلى التنازع والفرقة والقطيعة. وقد اختلف الصحابة والسلف فى قضايا كان لكل منهم فيها اجتهاده الذى يراه صائبا ومع ذلك ظلوا إخوة متحابين، قال يونس الصدفى: ما رأيت أعقل من الشافعى ناظرته يوما فى مسألة ثم افترقنا ولقينى فأخذ بيدى ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق فى مسألة» فالحر من راعى ساعات الصفاء واللقاء فلا ينقلب صفاؤه إلى شحناء ولا حبه إلى كراهية ولا حسنات الأمس إلى سيئات وحفظ الفضل لأهله فإن حسن العهد من الإيمان وكان محمد بن واسع يقول: لا يبلغ العبد مقام الإحسان حتى يحسن إلى كل من صحبه ولو لساعة» فالحر من راعى وداد لحظة وانتمى لمن أفاده لفظة. ولاشك أننا جميعا بحاجة إلى مراجعة أدب الاختلاف فى الرأى وإحياء روح التسامح والأخوة والألفة والمودة وإصلاح ذات البين وعدم التنازع حتى لا نفشل وتذهب ريحنا يقول الله تعالى «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم» الأنفال 46 ويجب أن يكون الوصول للصواب هو الهدف المنشود الذى يبغى المختلفون الوصول إليه لا أن يكون الاختلاف لمجرد الاختلاف أو اتباع للهوى أو حظ للنفس، أو رغبة فى الشقاق، ولا يمنع الاختلاف وتباين الآراء طرفا من الأخذ بما يراه حسنا عند الطرف الآخر فالحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أحق بها؛ وقد روى أن الإمام أبا حنيفة- كان فى بدء أمره متكلما نظَّارًا رأى ولده حمادًا يناظر فى المسجد فنهاه، فقال له ولده: أما كنت تناظر؟! قال:«بلي، ولكن كنا كأن على رءوسنا الطير من أن يخرج الباطل على لسان الخصم، بل كنا نود أن يخرج الحق على لسانه فنتبعه، فإذا كنتم كذلك فنعم».