الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله صلى الله وسلم عليه وعلى آل بيته ومن والاه إلى يوم لقاء الله، وبعد، فإن الصيام فى اللغة هو الإمساك عن الشيء وهو فى الشرع: الإمساك عن شهوتى البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية، وهو ثابت بالكتاب والسنة فقال تعالي: (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183) وروى البخارى بسنده عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَائِرَ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِى مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: «الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا»، فَقَالَ: أَخْبِرْنِى مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ فَقَالَ: «شَهْرَ رَمَضَانَ إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا» فَقَالَ: أَخْبِرْنِى بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ فَقَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ، قَالَ: وَالَّذِى أَكْرَمَكَ، لاَ أَتَطَوَّعُ شَيْئًا، وَلاَ أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ، أَوْ دَخَلَ الجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ» ثم إن هذا الوجوب فى حق المسلم البالغ العاقل القادر على الصيام ومن المبادئ التى قام عليها التشريع الإسلامى مبدأ «التيسير والتخفيف» وهذا المبدأ صرح به القرآن الكريم بأوضح بيان فى أكثر من آية قرآنية، وفى سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «أنه (صلى الله عليه وسلم) ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه» أخرجه البخارى، والمتتبع لنصوص الشريعة يجد أنه ما من أمر مفروض، أو ممنوع إلا شرعت فيه الرخصة فقد أبيحت المحظورات عند وجود الضرورات، وأبيح ترك الفرض والواجب إذا كان فى أداء أحدهما مشقة وحرج واعتبر الإكراهوالمرض، والكبر، والسفر، والخطأ، والنسيان من الأعذار التى تستتبع التخفيف. وتبرُّد الصائم بالماء - بأن يغتسلَ أو يَصُبّ على بدنه الماء اتّقاءً للحرّ أو العطش - جائزٌ شرعا ولا يُفسِد الصوم؛ لما روت عائشة -رضى الله عنها- أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم «كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فِى رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ»، وذكر البخاري: وَبَلَّ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثَوْبًا، فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ وَهُوَ صَائِمٌ، وَدَخَلَ الشَّعْبِيُّ الحَمَّامَ وَهُوَ صَائِمٌ وَقَالَ الحَسَنُ: «لاَ بَأْسَ بِالْمَضْمَضَةِ– ولكن بدون مبالغة فيها – وهذا ثابت بالسنة؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: «وبالغ فى المضمضة إلا أن تكون صائما»، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ:«إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلْيُصْبِحْ دَهِينًا مُتَرَجِّلًا» وَقَالَ أَنَسٌ: إِنَّ لِى أَبْزَنَا والأبزن: حوض من فخار أو غيره، كالبانيو بلغة العصر- أَتَقَحَّمُ فِيهِ -أى أدخل فيه لتحصيل البرودة-وَأَنَا صَائِمٌ، وَيُذْكَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اسْتَاكَ وَهُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَسْتَاكُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ، وَلاَ يَبْلَعُ رِيقَهُ وَقَالَ عَطَاءٌ: «إِنِ ازْدَرَدَ رِيقَهُ لاَ أَقُولُ يُفْطِرُ»وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: «لاَ بَأْسَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ» قِيلَ: لَهُ طَعْمٌ؟ قَالَ: «وَالمَاءُ لَهُ طَعْمٌ وَأَنْتَ تُمَضْمِضُ بِهِ»، فعلى الصائم أن يحرص على عدم دخول الماء إلى جوفه من الفم أو الأنف؛ فإذا حصل دخول جزء من الماء فى الجسم بوساطة المسامِّ فإنه لا تأثير له؛ لأن المُفطِر إنما هو الداخل من المنافذ المفتوحة حِسًاّ.