الكنز الوحيد الذى وهبه الله لكل إنسان دون أن يطلبه هو الوقت أو العمر وهو أغلى الكنوز ولما لا وهو الحياة والسنوات والشهور والأيام والساعاتواللحظاتالتى يقضيها الإنسان على الأرض ولأهمية هذا الكنز النفيس فقد أقسم الله تعالى به وبأجزائه من أيام وجمع وضحى وعشى وشروق وغروب ليعلمنا قيمة هذا الوقت خاصة الأوقات التى فضلها الله تبارك وتعالى وعلى رأسها شهر رمضان لكن من ينظر الآن لأمة الإسلام يجدها بعيدة تماما عن هذه القيمة إلا ما رحم ربى فكانت النتيجة التأخر عن الركب والتخلف عن اللحاق به بعد أن أخذ الغرب وغيرة من جميع الأمم قيمة الزمن وعلاقته بتقدمه فطبق الجميع ما دعت إليه شريعة الاسلام من المسارعة والمسابقة والمنافسة فى استثمار الوقت واستغلاله. فى البداية يؤكد الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر الشريف، أن الوقت أمانة يُسأل عنهاالإنسانيوم القيامةوهذه الأمانة يجب أن تؤدى على وجههاالصحيح لقوله تعالى«إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَي? أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرا» وقوله صلى الله عليه وسلم «أدى الأمانة لمن أئتمنك ولا تخن من خانك» ومنهج الإسلام فى اغتنامالأوقات يرتكز على أن الوقت اذا مضى لا يعوض كما ورد أن الحسن البصرى رحمه الله كان يقول: ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد، فتزود منى فإنى إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة». والمسلم الحصيف يقسم وقته بين طاعة لله مصداقا لقوله تعالى «وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون» فلا يسهو عنصلاة ولا يستهين بذكر شرعى ولا يفرط فى نفع العباد لقوله تعالى «وافعلوا الخير لعلكم تفلحون» من صلة للأرحام وتفقد للجيران ومواساة للأصحاب والأحباب مع سعى لكسب شريف، كما أرشد إلى ذلكسيد الخلق صلى الله عليه وسلم فى قوله «الساعى على الأرملة والمسكين كالمجاهد فى سبيل الله» وقوله أيضا «من بات كالا من عمل يده بات مغفورا له» إذن الوقتيجب أن يوزعه الإنسانبين طاعة لله وبينسعىفى الحياة للكسب الحلال ولا بأس بشيء من الترويح عن النفس لقول الإمام على رضى الله عنه «إن القلوب إذا كلت عميت فالتمسوا لها طرفا الحكمة «فإن القلوب إذا كَلَّتْ مَلَّتْ و إذا مَلَّتْ عَمِيَتْ. وأضاف أن الترويح فى الإسلام أمرٌ مشروعٌ، بل ومطلوبٌ، طالما أنه فى إطاره الشرعى السليم المنضبط بحدود الشرع التى لا تخرجه أى الترويح عن حجمه الطبيعى فى قائمة حاجات النفس البشرية، فالإسلام دين الفطرة ومن هنا فقد أجاز الإسلام النشاط الترويحى على أن لا يتعارض مع العبادات أو يؤثر عليها، والأصل فى ذلك الحديث الذى فى صحيح مسلم: عَنْ حَنْظَلَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَعَظَنَا فَذَكَّرَ النَّارَ قَالَ ثُمَّ جِئْتُ إِلَى الْبَيْتِ فَضَاحَكْتُ الصِّبْيَانَ وَلَاعَبْتُ الْمَرْأَةَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : وَأَنَا قَدْ فَعَلْتُ مِثْلَ مَا تَذْكُرُ، فَلَقِينَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَافَقَ حَنْظَلَةُ، فَقَالَ: مَهْ فَحَدَّثْتُهُ بِالْحَدِيثِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنَا قَدْ فَعَلْتُ مِثْلَ مَا فَعَلَ، فَقَالَ: يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً وَلَوْ كَانَتْ تَكُونُ قُلُوبُكُمْ كَمَا تَكُونُ عِنْدَ الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُسَلِّمَ عَلَيْكُمْ فِى الطُّرُقِ. ويقول الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف: إن الله تعالى قال فى كتابه الكريم «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ» ومعنى ذلك أن الله جعلهذه الشهورمن أجل أن يعيش الإنسان فيها وجعل لكل واحد عمرا من هذه الشهورفقال تعالى«فإذا جاء أجلهملا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون» وخلق سبحانه وتعالى السموات والأرض والكواكب والنجوم فى أزمان عدها فى 6 أيام ولا يعلممقدار تلك الأيام إلا هو سبحانه وتعالي. ولأهمية الزمن ذكر القرآن الكريم الليل والنهار والأشهر والسنين والساعات والجمع وأقل من ذلك هو لمح البصر ليلفت أنظار الناسإلى أهمية الوقت الذى يقول الشاعر عنه «الوقت كالسيف إنلم تقطعه قطعك»ويقول أيضا «دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان» وعليهفالإنسانلابد وأن يحرص علىالمحافظة على استغلال وقته واستثماره فى كل ما يفيدهفى الدنيا والآخرة، فقد جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم «لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ» فالوقت فى الإسلام له أهمية بالغة فهو حياة الإنسان. ويشير الشيخ فوزى الزفزاف، عضو مجمع البحوثالإسلامية، إلى أنه لا توجد أمة حث دينها على أهمية الوقت مثل أمة الإسلام ومع ذلك لم نجد أمة تضيع وقتها مثل أمة الإسلام التى أقسم ربها بالزمن فى كتابه الكريم، ليبين لناقيمة الزمنفأقسم بالعصر والفجر والليل والنهار ورغم ذلكلم تدرك تلك القيمة التى يدركها غير المسلمين فنجدهم يحترمون الوقت ويعملون بإخلاص ولا يفرطون فى أى لحظة فيه وظهر ذلك فى قوتهم الاقتصادية والسياسيةوالعسكرية فتقدموا وتأخرنا رغم أننا كنا لهم أساتذة تعلموا جميع العلوم من المسلمين، ولكى نسترد ما ضاعينصح الزفزاف بالمحافظة على الوقت والعمل على زيادة الإنتاج والتفكير فى أمور ديننا الحنيف حتى ندرك كثيرا من القيم التى أهملناها ومنها قيمة الوقت وكيفية استغلاله لنجد أن العبادات المفروضة من صلاة وصيام وحج وغير ذلك من العبادات التى جعل الله لها أوقاتا محددة كما أننا إذا تدبرنا بعض الشيء لوجدنا أن الإسلامحض على استغلال الوقت لدرجة أنه رخص للمسافر الجمع بين أوقات الصلاة وذلك منعًاللمشقة والاستفادة بالوقت.