كشف فضيلة الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية عنأن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان وأن الفتوى تتغير باختلاف الجهات الأربع - الزمان والمكان والأشخاص والأحوال-؛ لأنه لا ينكر تغير الأحكام بتغير هذه الجهات وأن سبب انتشار الجماعات الضالة سببها الجهل بالإسلام وحقيقته وسماحته لافتا إلى أن الدواعش لجأوا في أحكامهم إلى تأويلات شاذة متطرفة ومن بعض كتب التراث التي أصبحت بحاجه إلى تنقيتها، وقال في حواره: إن التنشئة الصحيحة في الأسرة والمدرسة عليها عامل كبير لحمايتهم من براثن هذا التطرف. وأوضح أن هذا الشهر الكريم يهدف إلى ترقية قلوب العباد وتدريبهم على نبذ الخلاف والفرقة والكذب والتشاحن، «والصائم لا يقول إلا الصدق والحق ويبتعد عن الكذب ويتحرى الأمانة في كل شىء مع الخالق والخلق وأن يكون مخلصاً ومطيعاً لله في كل وقت». وإلى نص الحوار: كيف تتم معالجة القضايا الفقهية المستجدة من وجهة نظركم خاصة إذا كان منها ما يهدد بناء المجتمع؟ الاجتهاد الفقهي له أهميه كبيرة فى بيان أهمية الاجتهاد لبيان أحكام النوازل المعاصرة من كونها تبين صلاحية الشريعة لتقديم الحلول فى كل زمان ومكان، وموقف الشريعة من مستجدات العصر ومتغيرات المجتمع العالمي المؤثرة بالطبع فى أصول المجتمع وقيمه، وتوضيح مدى موافقة المستحدثات للدين فتحث الناس على التمسك بها أو العدول عنها إلى ما يوافق الشرع، والاجتهاد عند النوازل يعني إعطاء الحكم الشرعي فى واقعة مستجدة وملحة، سواء أكانت دينية أم سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية تستدعي حكما شرعيًّا، تستهدي به نفوس السائلين ويزايلهم ما يقلقهم، وقد يسلك الفقيه فى سبيل إعطاء الحكم مسالك عدة تحددها المسألة النازلة ذاتها وما يتبع ذلك من تصويرها وتكييفها والإجراءات العملية التي تنقدح فى ذهنه أثناء فتياه فى النازلة، كما أن هذا الاجتهاد يأتى بتدابير من شأنها المساهمة فى إيجاد خطاب ديني وإفتائي واع بقضايا المجتمع، خاصة قضايا التنمية، وتحفيز المجتمع بسائر فئاته، خاصة الشباب إلى العمل والإنتاج والسلوك الإيجابي البنَّاء. هل الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والمجتمعات؟ وما الأسباب الرئيسية التي تسببت فى تلك الفوضى فى الفتوى؟ تختلف الفتوى باختلاف الجهات الأربع -الزمان والمكان والأشخاص والأحوال-؛ لأنه لا ينكر تغير الأحكام بتغير هذه الجهات، وإلا لو ظل العرف كما هو عدة قرون لم يكن أحد مستطيعًا أن يغير الفتوى، وقال ابن عابدين: «اعلم أن المسائل الفقهية إما أن تكون ثابتة بصريح اللفظ، وإما أن تكون ثابتة بضرب اجتهاد ورأي، وكثير منها ما يبنيه المجتهد على ما كان فى عرف زمانه،بحيث لو كان فى زمان العرف الحادث لقال بخلاف ما قاله أولا، ولهذا قالوا فى شروط الاجتهاد: إنه لا بد فيه من معرفة عادات الناس، فكثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان؛ لتغير عرف أهله، أو لحدوث ضرورة، أو فساد أهل الزمان بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولاً، للزم عنه المشقة والضرر بالناس، ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد؛ لبقاء العالَم على أتم نظام وأحسن إحكام». أما عن فوضى الفتاوى، فيعود السبب وراءها أن الذين تصدروا المشهد للفتوى ليسوا من أهل الفتوى وغير مؤهلين علمياً أو تدربوا تدريباً حقيقياً يؤهلهم لتصدر المشهد، فمن يقوم على الإفتاء ينحصر دوره فى بيان الحكم الشرعي فقط، ويخبر عما استنبطه من أدلة المشرع، فلا يحق للمتولي أمر الإفتاء أن يحلل أو يحرم، ولكن يبين فقط حكم ما يأتيه من أسئلة ليبين الحكم، كما لابد أن يكون مؤهلا ومكونا علميا تكوينا صحيحا. متى يتم توحيد إصدار الفتاوى؟ وكيف ترى فتاوى الجماعات التي تحرم بلا سند أو دليلا وتلجأ لتأويل النصوص؟ نسعى فى دار الإفتاء طوال الوقت نحو هذا الهدف، وبالفعل فقد اتفقنا خلال مؤتمر الأمانة ألعامه لدور وهيئات الإفتاء فى العالم الذي عقد نهاية العام الماضي، على إِصْدَارِ أَوَّلِ مِيثَاقٍ عَالَمِيٍّ لِلْإِفْتَاءِ، يُحَدِّدُ أَخْلَاقِيَّاتِ هَذِهِ المهنةِ، ويَضَعُ نَوَاةً لِثقافةِ الإفتاءِ الرَّشيدِ، ويَطْرَحُ مُبادرةً لِلْخُروجِ مِن ْأزمةِ الْفَوْضَى الَّتِي سَبَّبَها أَدْعِيَاءُ الْإِفْتَاءِ،كذلك دشنا المُؤَشِّرٍ العَالَمِيٍّ لِحَالَةِ الْفَتْوَى فِى العالمِ، وهو أول مؤشر من نوعه يعتمد على مَنْهَجِيَّةٍ عِلميَّةٍ تَقومُ عَلى الرَّصْدِ والتحليلِ والتقويمِ للخطابِ الإفتائيِّ؛ مِمَّا يُمَكِّنُ الباحثينَ مِنْ تَقْدِيرِ الموقفِ الإفتائيِّ، سواءٌ عَلى المُسْتَوى الرَّسمي أَوْ غَيْرِ الرسميِّ،وَسَواءٌ أَكانَ مُنْضَبِطًا أَمْ شَاذًّا، وَفْقَ مَعَايِير َعِلْمِيَّةٍ تُوضَعُ مِنْ قِبَلِ مُتَخَصِّصِينَ فى كل التَّخَصُّصَاتِ الدينيةِ والاجتماعيةِ والإعلاميةِ والاقتصاديةِ.وبشان فتاوى الجماعات الضالة فعندما نرصد ونحلل هذه الأفكار، نعلم يقينًا أن الجهل بالإسلام وحقيقته وسماحته، كان سببًا أكيدًا فى نشر هذه الأفكار الضالة،حيث كان مبدأ ضلال وشذوذ هذه الجماعات أنها لم تسلك سبل العلم التي ورثناها عن أسلافنا الصالحين، حيث بينوالنا البدايات والنهايات، والوسائل والمقاصد،وعلوم الآلة وعلوم الغاية والعوائق والمشكلات التي تعترض طالب العلم وكيفية مواجهتها والتعامل معها على الوجه الذي ينتج عالمًا متكاملًا واسع الفهم بالدين والواقع والمآلات والمقاصد الشرعية المرعية. ما حكم الشرع فيمن يؤول النصوص؟ ويدعي على الدين ما ليس فيه؟ تفسير القرآن يجب أن يتم فى إطار كلي متكامل، وفى إطار تاريخ الرسول الكريم وسيرته العطرة، وأساس الإرهاب هو فكرة فى البداية أو فتوى أو تفسير لنص فى شرع الله ولكن بتأويلات وبرؤية فاسدة. والتنظيمات الإرهابية ترتدي عباءة الدين وتقوم بإغراء الشباب بهذه التأويلات الفاسدة وتقنع الناس بأسلوب أو بآخر أن التفسيرات التي انتهوا إليها فى النص الشرعي تفسيرات صحيحة، والمتابع لأقوال المجموعات المتطرفة المعاصرة وأفعالهم يجدأنها انطلقت من قضية التكفير فادَّعوا أنهم وحدهم مَن يفهمون الشرع، وأنهم وحدَه ممَن يطبِّقونه، بل هم وحدهم المسلمون وغيرهم دون ذلك، فهم لم يفهموا النص الشرعي ولم يُحسنوا تطبيقه. من أين استنبط الدواعش أحكامهم؟ ولماذا تترك المجتمعات شبابها فريسة لهؤلاء ؟ وما السبب وراء اعتناق الشباب خاصة الأوروبى لتلك الأفكار رغم ظروف المعيشة المهيأة لهم؟ استنبط الدواعش أحكامهم بتأويلات شاذة متطرفة ومن بعض كتب التراث التي أصبحت بحاجة الى تنقيتها، فمن قرأ القرآن الكريم وطالع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وأخلاقه الشريفة، فى معاملة غير المسلمين سلمًا وحربًا ومعاملة وتجارة وبيعًا وشراء، ليعلم علمًا يقينيًّا لاشك فيه أن الإسلام لم يأتِ إلا لنشر السلم والسلام والأمن والرخاء بين الناس أجمعين، فإن الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم قد مكث ثلاث عشرة سنة كاملة فى مكة يدعو إلى توحيد الله بالسلم والأمن والأمان، لم يستعمل عنفًا ولا سلاحًا، ولم يروِّع أحدًا»،ولما فتح الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وتمكَّن ممن أذاه وأصحابه الكرام، ما كان شعاره إلا: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، صلى الله عليه وسلم، هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلك هي دعوته وسلميته، فمن أين أتى المتطرفون بكل هذا العنف والإرهاب باسم الله وباسم رسوله صلى الله عليه وسلم؟ أما عن الشباب فالتنشئة الصحيحة فى الأسرة والمدرسة عليها عامل كبير لحمايتهم من براثن هذا التطرف، كما أن هناك عوامل كثيرة أدت إلى انتشار الأفكار المتطرفة بين الشباب، ونحن بحاجة إلى دراسة مستفيضة لأسباب انتشار ظاهرة التطرف والانضمام إلى الجماعات الإرهابية بين الشباب الأوروبي؛ حتى يمكننا التعامل معها بشكل منهجي وعلمي.، وبشان الشباب الأوروبي. متي يتم تجديد الفكر الديني بما يتواكب مع متغيرات العصر؟وهل أنت راض عن مستوى الخطاب الموجه؟ نحرص فى دار الإفتاء على أن يجذب الخطاب الديني أفكار الشباب والأطفال وجميع الفئات، حتى يتوافق مع العصر، فتجديد الخطاب الديني يعني أن نأخذ من المصادر الأصيلة للتشريع الإسلامي ما يوافق كل عصر باختلاف جهاته الأربع«الزمان والمكان والأشخاص والأحوال»،بما يحقق مصلحة الإنسان فى زمانه وفى إطار منظومة القيم والأخلاق، تجديد الخطاب يحتاج إلى تكاتف الجميع على حد سواء، ومن أهم القضايا التي يجب الالتفات إليها وبيانها عند تجديد الخطاب الديني، تحديد القضايا التي استند إليها الفكر المتشدد فى تصدير الوجه الدموي المفترى على الإسلام والمسلمين فى الداخل والخارج، مثل قضية الجهاد بمفهومه الصحيح الذي يحافظ على الإنسان ما دام لم يعتد على الفرد أو المجتمع أو القانون الذي يحكم علاقاتهم ويرفع النزاع من بينهم.وقضية التجديد ترتبط ارتباط وثيق الصلة بتفكيك الفكر المتطرف وكشف ضلاله وفساده لتحصين شبابنا ومجتمعاتنا من شر هؤلاء جميعا. وفى سبيل ذلك علينا أن ننظر إلى التراث الإسلامي غير الكتاب والسنة باعتباره عملا تراكميًا محترمًا ولكنه ليس مقدسًا، بمعنى أننا نستفيد من مناهج السلف الصالح فيه،لأنها مبنية على اللغة والعقل وقواعد تفسير النصوص، ولكن فى نفس الوقت لا نلتزم بمسائلهم التي ارتبطت بسياق واقعهم وقتها، فالمشكلة الكبرى عند ذوي الفكر المتشدد والمنحرف أنهم يحاولون توسيع دائرة الثوابت بغير حق حتى يضيق على الناس دينهم ودنياهم فيسهل عليهم تبديعهم وتفسيقهم وصولا لتكفيرهم، بل ينحرف فكرهم إلى استباحة دمائهم. لماذا يتهم الإسلام وحده بالإرهاب؟ وهل الصورة تغيرت بعد حادث نيوزيلندا الأخير؟ الإرهاب مرض نفسي واجتماعي يتفشى فى المجتمعات أينما وجد ما يغذيه من حواضن مختلفة، وليست له علاقة بالأديان والمعتقدات السماوية السمحة، فهو ظاهرة ترفضها الإنسانية جمعاء، ولا يعرف دينا أو جنسا أو عرقا، كما أن مواقف وتصريحات وبيانات المؤسسات الدينية المسيحية واليهودية ردا على حاث نيوزيلندا كشفت براءة رسالة الأديان السماوية السمحة من الأفعال الشنيعة التي يرتكبها الإرهابيون المتعصبون الذين لا يمثلون دياناتهم بقدر ما يمثلون منطق التحريف والإفلاس العقائدي والوحي، واعتقد أن الزيارات والمواقف الشعبية التي قام بها الأوروبيون للمساجد بعد حادث نيوزيلندا خير دليل على أن الإرهاب الغربي الذي يقوده تيار اليمين الإرهابي خطر أكبر يهدد تماسك النسيج الأوروبي، كما أن الزيارات الشعبية والتضامنية التي قام بها عدد من الأوروبيين من أصحاب الديانات السماوية المسيحية أو اليهودية إلى مسجد النور أو مسجد الشيخ زايد بنيوزيلندا تمثل صفعة قوية لليمين الإرهابي وأفكاره المفلسة والمنحرفة. ما حكم الشرع فيمن يقتلون الأبرياء؟ويستهدفون دورألعبادة؟ويروعون الآمنين؟ الاعتداء على الآمنين آو استهداف دور العبادة من مساجد أو كنائس، هو أمر حرمته الشريعة الإسلامية، وتأباه الفطرة الإنسانية السليمة، وهذه الجماعات الإرهابية المتطرفة التي تقوم بمثل هذه العمليات الخسيسة أصبحوا خصومًا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال: «ألاَ مَنْ ظلم مُعاهِدًا أو انتقصه أو كلَّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طِيبِ نفسٍ فأنا حجيجه يوم القيامة» أي: خصمُه، وأشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإصبعه إلى صدره «ألاَ ومَن قتل مُعاهَدًا له ذمة الله وذمة رسوله حُرِّم عليه ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفًا».