قواعد الشيء هى أسُسه وأصوله التى يُبنى عليها، حسيًّا كان ذلك الشيء أم معنويًّا، ومِن الحسى قولهم «قواعد البيت»، ومن المعنوي: قواعد الدين أى أركانه ودعائمه، ومنها القواعد الفقهية. والهدف من هذه القواعد هو مساعدة الفقيه فى أن يتعرف بسهولة على حكم الله فيما يُعرَض عليه من المسائل المتعددة التى لا تنحصر، من خلال الحكم الكلى الذى تضمنته قاعدة من هذه القواعد. وترجع نشأة القواعد الفقهية إلى عصر الرسالة؛ فقد نزل القرآن الكريم متضمنًا الكثير من القواعد، التى اتخذها الفقهاء مادة النظر والفكر، وصاغوا منها القواعد الحاكمة لكثير من المسائل والقضايا. كذلك كانت أحاديث النبى - صلى الله عليه وسلم - فى أغلبها بمثابة القواعد العامة التى تتضمن فروعًا فقهية كثيرة؛ لما تميزت به هذه الأحاديث من دقة وإيجاز وأداء المعانى الكثيرة بالألفاظ القليلة، ولا عجب؛ فقد أوتى النبى - صلى الله عليه وسلم - جوامع الكلم. ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الأعمال بالنيات»، وقوله: «لا ضرر ولا ضرار»، وقوله: «البينة على مَن ادَّعى واليمين على مَن أنكر»، وقوله: «ما أسكر كثيره فقليله حرام»، وغيرها من الأحاديث. ومما لا شك فيه أن الصحابة، وكذلك التابعين، قد تأثروا بما ورد فى القرآن الكريم والسنة النبوية من قواعد، فرُوِيت عنهم أقوال يتحقق فيها وَصْف القواعد، فهى عبارات موجزة، جامعة لكثير من المسائل. ومن ذلك ما رُوِى عن ابن عباس - رضى الله عنه - أنه قال: «كل شيء فى القرآن.. «أو أو»، فهو مخير، وكل شيء: «فإن لم تجدوا»، فهو الأول فالأول». وكذلك ما روى عن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - قال: «مقاطع الحقوق عند الشروط».ومن الطبيعى أن تزداد العناية بهذا الجانب من التقعيد الفقهى [صياغة مسائل الفقه فى قواعد] مع نمو الثروة الفقهية واتساعها، وتعدُّد مدارس الفقه، حتى أصبح فنًّا مستقلا له مصادره، ومؤلفاته الخاصة. ومن الجدير بالذكر أن القواعد لم توضَع جملة واحدة فى زمن معين، على يد فقهاء معينين، وإنما تكونت مفاهيمها ومعالمها، وتمَّت صياغتها بالتدرج فى عصور الفقه المختلفة على يد كبار الفقهاء. ويمكن القول إن فقهاء المذهب الحنفى كانوا أسبق من غيرهم فى هذا الاتجاه؛ لأن طبيعة فقهم واتجاههم نحو الرأى، ووجود الفقه الافتراضى بينهم، وتوسعهم فى الفروع حتى إن أصولهم الفقهية أخذت منها، كل هذا جعلهم يعملون على إيجاد قواعد كلية تحكم هذه الفروع الكثيرة المتناثرة، وتيسر أمام الفقهاء تطبيق كثير من أحكام الجزئيات عليها دون أن يكون بينها تنافر أو تعارض. وقد ميز التفكير الفقهى بين نوعين من القواعد: قواعد تبين المناهج التى يستعين بها الفقيه فى استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية (نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية)، وقد أطلق على هذه القواعد اسم (قواعد أصول الفقه). وقواعد تُعَدُّ من قبيل المبادئ العامة فى الفقه الإسلامى التى تتضمن أحكاما شرعية تامة تنطبق على الوقائع والحوادث التى تدخل تحت موضوعها، وهذه القواعد هى ما يسمى بالقواعد الفقهية التى تساعد على تكوين الملكة الفقهية عند طالب الفقه، وتعين على معرفة أحكام الجزئيات، وتوضح التصورات والأفكار القانونية فى الفقه الإسلامي.