استقر فى الدراسات المعاصرة أن الشريعة تُطلق على كل ما جاء فى القرآن والسنة، مِن عقائد وأخلاق وتشريعات عملية (عبادات ومعاملات)، أمَّا الفقه فيختص بالأحكام العملية؛ ومِن ثَمَّ يمكن ملاحظة الفروق الآتية بينهما وأنَّ الشريعة أعمُّ من الفقه وأكثر شمولاً؛ إذ تشتمل الشريعة على جميع الأحكام، بخلاف الفقه الذى يُعنى -فقط- بجانب واحد، هو الأحكام العملية، إنَّ الشريعة تقوم على الوحى الإلهى، فهى الأحكام المنزلة من الله -تعالي- على النبى -صلى الله عليه وسلم- فى القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة؛ فهى -إذن- تشريع إلهى، ليس ناتجا عن البيئة، وليس من عند بشر. أما الفقه الإسلامى، فليس كله كذلك، وإنما فيه بعض الأحكام التى تعتبر تشريعًا إلهيًّا لا تجوز مخالفته، مثل الأحكام التى تفيد وجوب الصلاة، أو حرمة الزنا، أو حرمة التعامل بالربا، فهذه أحكام فقهية مستفادة من نصوص شرعية، وليست مِن اجتهاد الفقهاء؛ ومِن ثَمَّ تُعتَبر جزءًا مِن الشريعة الإسلامية. وفيه نوع آخر مِن الأحكام الفقهية هو الأحكام المستنبطة من النصوص الشرعية، عن طريق النظر والاجتهاد، وهذه الأحكام أكثر مِن حيث الكَمّ مِن أحكام النوع الأول، ولا تعتبر من قبيل التشريع الإلهى الذى لا تجوز مخالفته، وإنما هى -فى النهاية- عَمَلٌ بشرى يستند إلى نصوص الشريعة ومبادئها وقواعدها؛ ولذلك تُسمَّى أحكامًا شرعية. بالرغم مِن أنها غير مذكورة بنَصِّها فى مصدرى الشريعة (القرآن والسنة)؛ لأنها تعبر عن إرادة المُشرِّع ومقاصده، فهى ليست أحكاما عقلية، وإنما أحكام شرعية، إنَّ العلاقة بين الشريعة والفقه هى العلاقة بين الثابت والمتغير؛ فالشريعة تمثل الإطار الثابت الذى يحفظ شخصية الأمة الإسلامية ومقوماتها عَبْرَ العصور المختلفة، أما الفقه فهو الجانب المتغير الذى يتغير بتغيُّر الظروف والبيئات، ومِن ثَمَّ يحتاج الفقه إلى التجديد المستمر؛ ليُلَبِّيَ الحاجات الاجتماعية المتجددة، بخلاف الشريعة التى اكتملت نصوصها بانتهاء عصر الوحي. إن اعتبار الشريعة والفقه شيئا واحدا مِن شأنه أن يعطِّل مسيرة الفقه الإسلامى عن مواكبة التطورات الاجتماعية التى تختلف مِن بيئة إلى أخرى، ومِن زمن إلى آخر؛ لأنه سيضفى على تفسيرات الفقهاء السابقين مِن الأوصاف ما لا يليق إلا بنصوص الشريعة ذاتها؛ ومِن ثَمَّ سيتوقف المجتهدون عن ممارسة الاجتهاد، وهذا يؤدى فى النهاية إلى جمود، الشريعة وعجزها عن حَلِّ المشكلات والقضايا التى تستحدث مع تطور الحياة.