اعتنت الشريعة بأحكام الأسرة قبل وجودها، وبعد وجودها؛ لأن الأسرة هى أساس المجتمع، والزواج هو النظام الطبيعى لتكوين أسرة، ولَمَّا كان للزواج أكثر من صورة، فقد أقر الإسلام صورة واحدة للزواج، وأنكر كلَّ ما عداها؛ لأنها تتناقض مع مقصد الشريعة من الزواج، والزواج المشروع حقيقتُه اختصاص الرجل بامرأة أو أكثر من النساء، لا يزيد عددهن علي أربع؛ حتى يثق من وراء ذلك الاختصاص بثبوت انتساب نسلها إليه. يقول الشيخ الجرجانى فى كتابه (حكمة التشريع وفلسفته) فى بيان حِكمة الزواج: اعلم أنَّ الله -سبحانه وتعالي- قد خلق الإنسان ليعمر هذه الأرض التى خلق كلَّ ما فيها له، بدليل قوله -تعالي-: {هُوَ الَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]، وبقاء الأرض عامرة يستلزم وجود الإنسان حتى تنتهى مدة الدنيا، وهذا يستلزم التناسل وحفظ النوع الإنساني؛ حتى لا يكون خلق الأرض وما فيها عبثًا، فنتج عن هذا أن عمار الكون متوقف على وجود الإنسان، ووجوده متوقف على وجود الزواج، وعمار الكون من وجوه كثيرة ، منها كَثرة الذرية، ومتى كثرت الذرية كان عمار الكون سهلاً على بنى الإنسان؛ لأن العمل الذى يقوم به جماعة يصعب على الفرد، وحيث إن الإنسان لا يستقيم له حال فى الحياة إلا إذا انتظمت أحوال بيته، ولا يهنأ له عيشه إلا بتدبير منزله، وإنَّ ذلك لا يكون إلا بوجود المرأة التى من شأنها واختصاصها تدبير المنزل؛ من أجل ذلك شرع الزواج؛ حتى تستقيم أحوال الرجل ويعمر الكون. * ومنها أن الإنسان ميَّال بطبعه إلى الائتلاف الذى يأنس به، فوجود الزوجة مبعد لحزنه ووحشته فى الغالب، مفرج لكربته، معين له على انتظام حال معيشته. * أيضًا فإن الزواج حافظ للأنساب، وحفظ الأنساب فيه فوائد جمة، وأهمها حفظ الحقوق فى الميراث؛ لأن الرجل إذا لم يختص بامرأة معينة، لا يُعرَف له ولد، وأيضًا لا تعرف له أصول ولا فروع بين الناس، وهذا لا يرضاه الدين ولا الناس. * أيضا فإن القصد من الزواج -على وجه العموم- هو لأجل الابتعاد عن الزنا ومرافقة المرأة؛ ولذا كان الزواج علنًا أمام شهود لا خلسة، لما يترتب عليه من التناسل وحفظ الأنساب. * ومن مقاصد الزواج -أيضا- تحقيق السكن والمودة والرحمة بين الزوجين، فقد قال الله -تعالي-: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]. ومِن ثَمَّ فكل ما يحقق السكن والمودة والرحمة من التصرفات والأقوال هو من الشرع، وإن لم ينص عليه، وكل ما ناقض هذه المقاصد -من التصرفات والأقوال- فهو باطل.