يجيب الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية بقولة ،قال الله تعالي ?وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ? (آل عمران: 97)، وتتحقق الاستطاعة - كما ضبطها الفقهاءُ - بقوَّةِ البدنِ وتحمُّلِه، وبأن يأمنَ الحاجُّ الطريقَ، ويُمكِّنه الوقتُ من أداء الحج، وبأن يملك المكلف من الزاد والراحلة ما يمكنه من أداء الفريضة دون تقتير أو إسراف، وأن تكون نفقة الحج فاضلة عن احتياجاته الأصلية ومن يعول من مسكن، وثياب، وأثاث، ونفقة عياله، وخدمه، وكسوتهم، وقضاء ديونه. وقال الإمام الرافعى فى «العزيز شرح الوجيز» (إذا كان عليه دَيْن وهو موسر، فلمستحق الدين أن يمنعه من الخروج، لا لأن حقه فى منعه من الحج ولكن يحبسه ليستوفى حقه منه، فإن كان قد أحرم.. فليس له التَّحْليل والحالة هذه، بل عليه أن يقضى دينه ويمضى، وإن كان معسرًا فلا مطالبة ولا منع؛ لأنه منظر إلى مَيْسَرة، وكذا لو كان الدَّين مؤجَّلًا لا منع إذ ليس عليه تسليم فى الحال ولا يتوجه للمستحق مطالبة، والأولى أن لا يخرج، حتى يوكل من يقضى الدين عليه عند حلول الأجل). ومقتضى ذلك أنه يشترط فيمن أراد الحج وعليه دَيْنٌ أن يكونَ دَيْنُه مؤجلًا ولا يؤثر أداؤه لفريضة الحج على سداد هذا الدَّيْن، وذلك بأن يترك مالًا كافيًا لسداد الدَّيْن أو أن يأذن له الدائن بالسفر للحج؛ وهذا متحقق فى عمليات التقسيطِ المُنَظَّمَة بالشكلِ المتعارفِ عليه حاليًا، والذى تكون فيه الأقساطُ محددة سلفًا، ويتم الاتفاقُ فيه بوضوح بين الطرفين على كيفية سداد تلك الأقساط وأوقاتها. وإذا كان الفقهاء قد أجازوا - على الجملة - الاقتراض من أجل الحج ما دام أنه يتوفر لدى المكلف مال يستطيع من خلاله الوفاء والسداد لهذا الدَّيْن حين يأتى أجلُه، فإنه وقياسًا عليه ومن باب أولى يجوز أداء فريضة الحج لمن كان عليه ديون مُقَسَّطة حسب مواعيد معلومة. وقد روى ابن أبى شيبة فى «المصنَّف»، والبيهقى فى «السنن الكبري» - واللفظ له - عن عبد الله بن أبى أوفى رضى الله عنه موقوفًا عليه: أنه سُئِلَ عن الرجل يَستقرض ويحج؟ قال: «يَسْتَرْزِقُ اللهَ وَلَا يَسْتَقْرِضُ»، قال: وكنا نقول: «لا يَستَقرِضُ إلا أَن يَكُونَ له وَفاءٌ». وأسند ابن عبد البر فى «التمهيد لما فى الموطأ من المعاني» عن سفيان الثورى أنه قال: (لا بأس أن يحج الرجل بدَينٍ إذا كان له عُرُوضٌ إن مات ترك وفاءً). وبناءً على ذلك وفى واقعة السؤال: فإنه يجوز شرعًا لمن كان عليه دَيْنٌ مُؤجَّلٌ فى صورة أقساطٍ أن يحج إذا اطمأن إلى أن أداء فريضة الحج لا يؤثر على سداد هذه الأقساط فى أوقاتها المحددة لها سلفًا؛ كأن يتوفر له من المال ما يستطيع من خلاله الوفاء والسداد لهذا الدَّيْن حين يأتى أجلُه.