أدهش الأمريكيون العالم عام1998 عندما مثل الرئيس بيل كلينتون للمحاكمة علي خلفية تورطه في الفضيحة الجنسية مع المتدربة السابقة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي وكاد أحد أكثر الرؤساء الأمريكيين ذكاء وشعبية يفقد ما تبقي له من ولايته الثانية ليس لإدانته علي سلوكه المشين لكن بتهمة الحنث بالقسم وكم كان رائعا أن يتحول أقوي رجل إلي فرجة عبر العالم ويجلس أمام المحقق ليسائله ويحرجه ويسعي للإيقاع به دون الاعتداد بأي شيء آخر سوي تطبيق القانون في دولة تقيم توازنا رائعا بين السلطات الثلاث. ما حدث مع كلينتون أكسب النظام السياسي الأمريكي احترام الكثيرين حول العالم مهما كانت نقمتهم علي السياسات التي تنتهجها إدارة كلينتون ولم يكن المتابعون وأنا منهم يدور في خلده أنه لن يمضي وقت طويل قبل أن يجلس الرئيس السابق حسني مبارك علي سرير العدالة ومعه نجلاه بتهمة قتل المتظاهرين المشاركين في ثورة25 يناير التي أجبرت مبارك علي التنحي منهيا30 عاما في السلطة حتي باتت الصحافة العالمية تلقبه ب الفرعون لطول بقائه في السلطة وقبل25 يناير لم يكن أعدي أعداء مبارك يحلم بهذا الحلم الذي لا تزال عقول الكثيرين عاجزة عن استيعابه. إن محاكمة مبارك مثلما كلينتون نقطة فارقة في التاريخ حيث يعد مبارك أول رئيس مصري تتم مساءلته علي جرائمه أمام شعبه وهو درس يتعين علي من يخلفه في قصر عابدين ان يستوعبه تماما قبل ان يجد نفسه داخل القفص ونزعت عنه كل الألقاب وينادي عليه بالمتهم رقم كيت لكن منذ متي يتعظ الحكام ومازلنا نتذكر اقوال مبارك في بداية جلوسه علي كرسي الرئاسة الكفن ليس له جيوب فإذا بها تتسع للمليارات وتزيد عن حاجة أحفاد أحفاده أيضا لم يتعظ بنهاية السادات الدامية في يوم نصره. المهم أن محاكمة مبارك التي توصف دون مبالغة بأنها محاكمة القرن تفوقت علي محاكمة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لأن الأخيرة كانت محاكمة سياسية بامتياز وضع السيناريو والاخراج لها الرئيس الأمريكي بوش الابن وعهد للعراقيين بأداء البطولة ومن المؤكد أنه لن يمض وقت طويل قبل أن يماط اللثام عن ظروف وملابسات المحاكمة التي شغلت العالم وانتهت بإعدام أول رئيس عربي في العصر الحديث ونفس الشيء بالنسبة للرئيس التونسي الهارب زين العابدين بن علي حيث لن يمثل أمام القضاء في بلاده مثل مبارك وبالطبع لا تستوي المحاكمة الحضورية بالغيابية وأيا كانت نتيجة محاكمة مبارك فإنها ردت الاعتبار للشعب المصري الذي حرمه مبارك من أبسط حقوقه وتخلص من خصومه بالسجن والتعذيب والمحاكمة أمام القضاء العسكري. والأمر المؤكد أن تأثير محاكمة مبارك لن يقتصر علي مصر لكنه سيصل الي العواصم العربية الثائرة وتحديدا طرابلس وصنعاء ودمشق فمشهد مبارك وهو يجلس علي كرسي العدالة لا يخلو من الرمزية وليس من شك في أنه سيعضد الثوار العرب وسيجعلهم اكثر ثقة في المستقبل وفي عدالة قضيتهم انها اشبه بالزلزال الذي ضرب المنطقة من المحيط الي الخليج وجعل الحكام يراجعون أنفسهم قبل أن يتكرر مشهد مبارك مع أقرانه فقد استيقظت ارادة الشعوب ولن تجدي معها كل وسائل القمع من شرطة أو جيش والحاكم الذكي هو من يتمكن من قيادة شعبه لا قتله كما يفعل معمر القذافي منذ17 فبراير الماضي وبشار الأسد في سوريا منذ خمسة أشهر وهو ما سبقهما اليه علي عبد الله صالح في اليمن قبل اصابته ونقله الي السعودية للعلاج والبحث عن مخرج آمن له من السلطة يحفظ ماء وجهه ويحول دون ملاحقته قضائيا. ان محاكمة مبارك علي الارجح ليست سوي أول الغيث تماما مثل الربيع العربي الذي انطلق من تونس مرورا بمصر قبل ان تتعثر خطاه في تونس واليمن علي صخرة القبيلة وفي سوريا علي صخرة الطائفة حيث لن يطول بنا الانتظار قبل ان يمثل حكام عرب آخرون امام العدالة لعل في مقدمتهم الرئيس السوداني عمر البشير الذي اضاعت سياسته وحدة السودان والقذافي الذي يمعن في قتل شعبه والأسد أول من ترجم بدعة التوريث واستدعي ما يمكن ان يطلق عليه الملكية الجمهورية. الآن فقط يمكن أن نؤكد أن العرب يكتبون فصلا جديدا في تاريخهم قوامه تصحيح العلاقة بين الحاكم والمحكوم بحيث ينتهي إلي الأبد الحاكم الذي يعيش اكثر من نصف حياته في السلطة إننا علي مشارف عهد جديد يسمح فيه بالتداول السلمي للسلطة وهو أمر تأخر كثيرا مثلما كنا نفتقد كعرب لوجود لقب رئيس سابق باستثناء لبنان ولاحقا الجزائر فأهلا بالتداول السلمي للسلطة وأهلا بوجود رؤساء سابقين وحاليين مثل الأمم المتحضرة.