يدعونا الفنان فاروق حسني من جديد إلي التأمل, وإعادة اكتشاف الحياة والإحساس العميق بالمعاني والقيم الجمالية, عبر معرضه السنوي الذي يفتتحه في السابعة مساء بعد الغد بجاليري بيكاسو, ليقدم لنا مساحات لونية جديدة وإيقاعات بصرية مغايرة بصياغات فنية متفردة. يضم المعرض مجموعة من اللوحات ذات التدفقات الشعورية التي تنقلنا إلي عوالم جديدة تعكس ثراء وتنوع تجاربه الفنية والحياتية الواسعة وغير التقليدية, وخلاصة أسفاره الكثيرة, لذلك هي أعمال فنية تنجح بسلاسة في التسلل إلي وجدان المتلقي, الذي يجد نفسه متفاعلا مع خطوطه العفوية و لمسات فرشاته الجريئة, و مساحاته اللونية الصادقة, وكأنه عايش عن قرب تلك اللحظات النادرة التي مر بها الفنان, واقتنصها من اللاوعي إلي اليقظة. يعرف الفنان فاروق حسني ما يردده البعض حول صعوبة فهم الفن التجريدي مؤكدا أن التجريدية لا تفهم إنما تحس ويتابع: عندما ننظر إلي العمل التجريدي ينتقل الينا الاحساس به, لأنه فن ينقلنا من محاكاة الطبيعة والواقع إلي التواصل مع الأحاسيس و اكتشاف العالم حولنا, ولذلك كلما تأملنا لوحة تنتمي للتجريدية كلما استطعنا تذوق قيمة جمالية ما أو معني ما جديد, ربما لم نكتشفه حين قمنا من قبل بتأملها ويضيف: وفي حالة ما تحلي المتلقي بالصبر فإنه من المؤكد أنه سيصبح أكثر قدرة علي التواصل مع العمل الفني التجريدي, الذي سيسمو بروحه بعيدا عن المشاكل والضغوط, ويأخذه في حالة جميلة من التأمل والارتقاء بالنفس, والأكثر من ذلك أنه سيصبح أكثر عمقا و قدرة علي فهم ما وراء الأشياء, وهو مايكسبه نضجا وقدرة علي التفاعل مع الكون ويضيف اللوحة التجريدية: لاتنتظر من يفهمها فهي لا تتضمن عملا أدبيا أو أفكارا محددة تحتاج إلي توضيح وشرح, إنما هي كالموسيقي التي تتواصل مع الوجدان, موسيقي تحمل أرقي المعاني والأحاسيس في مساحات لونية وفراغ ومع احتفاظ اللوحات بالأسلوب المتميز للفنان, فإنها تحمل تجديدا يبعث الشغف داخل المتلقي لتأملها الطويل والمتكرر, وهوما يرتبط بتجدد روحها وإيقاعاتها و ألوانها ودرجاتها, تماهيا مع اعتماد التجريد علي المشاعر والموسيقي البصرية, وهما دائما في حالة تجدد. لعبت الأمكنة دورا بارزا في حياة فاروق حسني, انعكست علي أعماله الفنية, يقول: تأثرت كثيرا بالمدن, وأدركت أن المدينة بشخصيتها وبطابعها و ايقاعاتها و جمالياتها وما تحتضنه من بشر و تفاصيل, كل هذا له تاثير كبير علي حياتي وفني, علي سبيل المثال. تعلمت في باريس كيف استقي المعلومة الصحيحة, وتأثرت بالزخم الفني سواء في السينما أو المسرح أو الموسيقي أو الفن التشكيلي, وكذلك تأثرت كثيرا بروما, تلك المدينة الساحرة والعريقة, التي عشت فيها سنوات شهدت صداقات عظيمة تكونت مع الفنانين التشكيليين و الشعراء والنقاد والسينمائيين والمسرحيين من مختلف الجنسيات أثناء تولي مسئولية الأكاديمية المصرية للفنون في روما, الأمر الذي مثل لي حالة ثراء متفردة وتفاعل مع الآخرين, وهو أمر مهم للغاية حتي للإنسان العادي وليس الفنان وحده, وفي مصر تأثرت بمدن الصعيد و الإسكندرية. الاحتفاء بالفراغ والخطوط حاضر بقوة في لوحات الفنان فاروق حسني لاسيما الخط الأسود لأنه لون قوي, يمنح اللوحة تأكيد للمعاني و الأحاسيس, وحول الفراغ يقول: الفراغ موحي, ومدعاة للتأمل والحياة وحب الحياة, ووجوده في اللوحات مثل وجوده في الطبيعة, يمنع اصطدام شيء بالعين, ففي وجوده تحقيق للوضوح في الذهن, والرؤية ولذلك اعتبر الفضاء ليل النهار, وبالتالي هو يسمح للإنسان بالتفكير والإحساس, كما أنه يتيح لخيال المتلقي أن يسبح في فراغ اللوحات فتتجدد أفكاره وأحاسيسه.