يعتمد السلوك الحضاري في الإسلام علي مجموعة من القيم الأخلاقية التي تجسد المعاني الكريمة التي يتصف بها المسلم, وتعبر عن النقلة الحضارية التي جاء بها الإسلام في حياة البشرية, وتقدم نموذجا متميزا للعمران, لا يستند إلي العمران المادي فقط, وإنما يستند إلي العمران الأخلاقي الذي يعد حجر الزاوية في بقاء الأمم والدول أو انهيارها; حيث تكون غاية العمران تحقيق الحياة الطيبة للفرد والمجتمع, والانتقال من حياة( التوحش) إلي حياة( التأنس) كما عبر ابن خلدون, وهو يقصد أن العمران الأخلاقي يسهم في نقل الإنسان من مرحلة التوحش واتباع سلوك الوحوش إلي مرحلة( التأنس) واتباع سلوك الإنسان يقول ابن خلدون: أعلم أنه لما كانت حقيقة التاريخ أنه خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم, وما يعرض بطبيعة ذلك العمران من الأحوال, مثل التوحش والتأنس والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم علي بعض, وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها, وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع, وسائر ما يحدث من ذلك العمران بطبيعته من الأحوال.... وبعبارة أخري: فإن القيم الأخلاقية والمعنوية هي الأهم عندما نريد معرفة مقياس الحضارة لدي شعب من الشعوب, وليست القيم المادية من حيث الثروة المادية والقوة العسكرية التي يملكها, وبالإضافة إلي ذلك تقاس المجتمعات بتماسك منظومة القيم بين أبنائها, سواء أكانت هذه القيم فردية, مثل الصدق والأمانة والنزاهة, أم جماعية, مثل النظام واحترام القانون ومراعاة حقوق الآخرين. ومن هنا يظهر الدور الذي قام به الإسلام في تصحيح مسار الحضارة الإنسانية, بما جاء به من قيم وأخلاق وتعاليم تتناول كل مظاهر الحياة, وتحدد السلوك القويم, وقد قدمت السنة النبوية مجموعة من القيم التي تحقق السلوك الحضاري والعمران, نذكر أهمها فيما يلي: أولا: الدعوة إلي محاسن الأخلاق ومكارمها, إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق, وفي لفظ: صالح الأخلاق.أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا. هل أدلكم علي أحبكم إلي, وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة؟ أحاسنكم أخلاقا, الموطئون أكنافا, الذين يألفون ويؤلفون. إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار.أثقل شيء في ميزان المؤمن( يوم القيامة) خلق حسن, إن الله يبغض الفاحش المتفحش البذيء. اتق الله حيثما كنت, وأتبع السيئة الحسنة تمحها, وخالق الناس بخلق حسن. ثانيا: الدعوة إلي إتقان العمل: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه. إن الله كتب الإحسان علي كل شيء; فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة, وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة, وليحد أحدكم شفرته, وليرح ذبيحته. إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه. لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه. ثالثا: الدعوة إلي الرفق والتسامح في معاملة الناس: رحم الله رجلا سمحا إذا باع, سمحا إذا اشتري, سمحا إذا اقتضي.