الاعتزال.. قرار من أخطر القرارات التي يتخذها الانسان.. قرار الانتقال من حياة إلي حياة أخري تماما.. وإذا كان قرار الاعتزال بالنسبة للانسان العادي شيئا خطيرا. فإنه بالنسبة للفنان يعني شيئا أخطر.. والممثل بالذات الذي يعتزل الفن بقراره فإنه بذلك يكون قد وصل إلي أخطر قرار في حياته!! وهناك نجوم ممثلون وممثلات أخذوا هذا القرار.. مثل النجم العالمي مارلون براندو.. الذي أعلن أنه سوف يعتزل التمثيل بعد أن ينتهي من آخر أفلامه التي يصورها.. جلس مع نفسه وأدار شريط حياته السينمائية.. وقرر.. وقال إن من بين أسباب الاعتزال هو تعبه من الأضواء التي أرهقت حياته.. أراد براندو أن يريح الممثل الذي عاش معه سنوات عمره في داخله يؤرقه وينتقل معه من مكان إلي مكان.. ومن شخص إلي شخص.. ومن نجاح إلي نجاح.. ومن فشل إلي فشل.. أراد أن يريح ذلك المعذب الذي عاش معه سنوات عمره.. واعتزل وكان عمره خمسة وستين عاما. ورحل بعد سنوات. طبعا هناك أسباب كثيرة لهذا الاعتزال.. هي الاشباع الفني الذي حصل عليه الممثل طوال مشواره الفني أمام الكاميرا.. وتشبعه بكل هذه الهالات الضوئية التي تحاصره.. وحصرته في دوائرها.. وضيقه من العدسات المكبرة التي نقلت إلي كل مشاهد تفاصيل تعبيراته الدقيقة.. وهروبه من كل العيون التي تنظر إليه.. خلال الشاشة الكبيرة.. وفي الشارع.. وفي البيت.. والقيد الذي تفرضه النجومية علي كل نجم مشهور.. أو غير مشهور.. خنقه سجن النجومية والشهرة.. أراد أن يهرب من كل هذا ويستكين.. ويبحث عن مكان لا يراه فيه أحد ليصرخ بحرية وجوده وينطلق جريا.. أو نوما.. بلا قلق أو كوابيس فنية تسيطر عليه وتقيده وتوقعه أسيرا لشهرته!! إلي جانب ذلك هناك أسباب لا يذكرها.. هي تلك الأسباب المادية التي تكفل له في نهاية عمره حياة كريمة ليس بها كل مطبات الحاجة التي يخشاها كل فنان في سنواته الأخيرة.. الاعتزال قرار جريء له أسبابه.. وإذا اعتزل الفنان الممثل فهذا قراره.. ولكن إذا تم عزله فهذا شيء آخر.. فكثيرا ما نجد فنانا تم عزله لأسباب غريبة في عالمنا الفني.. منها.. لقد كبر سنه.. ويهمل من عزله قاعدة أن لكل سن نجومه.. وأن القدرات التمثيلية بالذات تنمو وتبدع مع كبر الفنان الممثل.. وانه ثقل في حركته.. ولم يعد يظهر في المجتمعات الفنية.. وأسباب كثيرة تسمعها من أصحاب قرارات العزل الاجباري.. الممثل المصري تسمع منه جملة رائعة وخطيرة يقولها دائما.. أريد أن تنتهي حياتي وأنا أعمل!! ولا ننسي النجم العبقري الممثل الكبير محمود المليجي الذي رحل وهو يجلس علي كرسي بعد أن قدم آخر مشهد في فيلم أيوب.. مع النجم العالمي عمر الشريف.. الذي صرح في معظم لقاءاته بأنه لا يستطيع أن يعتزل الفن.. التمثيل!! والنجم العالمي المخرج الممثل كلينت إيستوود.. أعلن أخيرا انه لن يعتزل التمثيل والإخراج إلا بعد الموت!! كل هذا حبا في الفن الساحر الذي ترسله السينما الساحرة!! وهناك أسباب أخري لرفض الاعتزال.. التي نادرا ما يفصح عنها الممثل.. وإن كانت معروفة.. فهو نادرا ما يحصل علي حقوقه الأدبية في حياته.. ونادرا ما يبتعد عنه شبح الحاجة.. في مرضه.. أو عند وفاته.. انه يظل يعمل وما يحصل عليه من ماديات يغذي بها وجوده في عالم الفن حتي إذا وصل إلي منطقة العجز الحقيقي.. أصبح عاريا أمام الضغوط المادية.. وكم من ممثل انتهت حياته وحيدا.. فقيرا.. حتي وإن عرفنا انه قدم للسينما اكثر من500 فيلم و200 مسرحية.. ويتبادر للذهن سؤال.. أين أمواله؟! والجواب إن النجم الذي كان يعيشه أنفق علي مستلزمات نجوميته ووجوده كل ما حصل عليه من أموال.. وانتهت حياته بطريقة تراجيدية ولم يستطع أن يحقق لنفسه ماديا أو معنويا حرية الاختيار لقرار الاعتزال.. ولا تعليق..!