الآن وبعد مرور45 عاما علي حرب أكتوبر المجيدة, نستعيد- بكل الفخر- بطولاتها وذكرياتها العطرة; لنستمد منها العزم والإرادة والإصرار, ونستلهم منها كل المعاني والقيم الرفيعة.. لقد كان النصر مبينا ومؤزرا وكان درسا حقيقيا وأنموذجا حيا ورائعا في التعاون والإيثار ونكرات الذات , والتضحية والفداء, والعمل بروح الفريق الواحد, والاعتصام بحبل الله. لقد أمرنا الله عز وجل بالدفاع عن الأرض والعرض والدين وحثنا الإسلام علي ذلك.. بهذه العبارة يبدأ الشيخ هشام محمد محمد( إمام وخطيب بوزارة الأوقاف), كلامه, مبينا أن مصر استعادت هيبتها وكرامتها في السادس من أكتوبر عام1973 بإحراز نصر عسكري رائع, بعد أن عانت البلاد مرارة الهزيمة في حرب يونيو.1967 ولم يأت النصر صدفة, ولكنه كان نتيجة إعداد منظم علي الصعيدين الوطني والقومي والعالمي; حيث تم التأهب لها بكل الأساليب والوسائل الممكنة. وتابع: لقد أحس الشعب المصري بعد نكسة1967 بالإهانة, كما أحس الجيش المصري بظلم شديد لخسارته في حرب لم يخضها; فقد سرق منه زمام المبادرة لاعتبارات متعددة علي المستويين المحلي والعالمي, إلي أن جاء نصر الله وفتحه المبين علي أمة الإسلام, واستطعنا بفضل الله أولا, ثم بشجاعة جنودنا وجيشنا المصري- تحت قيادة الزعيم الراحل محمد أنور السادات- أن نسترد أرضنا وكرامتنا بين العالم أجمع. ونوه الشيخ هشام محمد بأن حرب أكتوبر حفلت بالدروس والعبر في مقدمتها; أن الاحتلال لا يمكن أن يدوم, وأن القوة لا تفرض أمرا واقعا, وأن الانسحاب من الأراضي التي احتلت في عام1967 هو أساس أي تسوية عادلة وشاملة في الشرق الأوسط.. كما أن ما يسلب بالقوة والاعتداء الظالم, لا يسترد إلا بالقوة.. يضاف إلي ذلك, أن العقيدة والإيمان والاستمساك بالدين, هي أسلحة النصر الحقيقية.. وأن وحدة الصف أمر بالغ الأهمية في الداخل, وكذلك التعاون الفعال مهم جدا مع الدول العربية المجاورة. ويقول د. حسام محمد علي الشتيحي( مدير عام بإدارة الأوقاف): في كل عام نقتبس من هذا النصر درسا نستفيد منه في عصرنا الحاضر, ونتذكر منه موعظة مرت بجنودنا البواسل, كانت سببا من أسباب النصر العظيم.. لقد مرت علي مصرنا الحبيبة محن وشدائد, ومع ذلك كانت- بفضل الله- صابرة رابطة بأبنائها وجيشها وشعبها العظيم, وكان بعد كل محنة نصر من الله وفتح قريب, وجاء نصر أكتوبر تأكيدا لهذا المعني الجميل لأنه وعد الله, الذي لا يخلف الميعاد, وقد وعدنا سبحانه بالنصر مع نصره تعالي:{ يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}. ويشير د. حسام الشتيحي إلي أن أفراد الجيش والشعب كانوا في صيام وقيام وتهجد لله.. ولما تعالت أصوات التكبير والتهليل بين أفراد جيشنا, كنا في ذكر دائم مع الله تعالي, فنلنا البشري واطمأن القلب بموعود الله. ومن الدروس المستفادة من نصر أكتوبر- كما يؤكد الشيخ محمد عبدالمنعم السيد مدير عام بوزارة الأوقاف- أن الجندي المصري هو خير أجناد الأرض, وهناك دروس كثيرة وعظيمة يمكن تلخيصها في التغيير للأفضل وإعداد العدة والأخذ بكل أسباب النصر مع العمل الجاد المتواصل.. تكاتف الأمم الإسلامية بجوار مصر الحبيبة والوقوف معها في شدتها وهذا من شيم المسلمين.. التضحية والفداء من أجل استرداد أراضينا, خاصة أرض سيناء الحبيبة.. رد اعتبار مصرنا بين العالم أجمع, ورفع مكانتها بين الأمم علي المستويين المحلي والعالمي. ومن جانبه, يشير د.السيد ماهر, المدرس بجامعة الأزهر إلي بعض الدروس المستفادة من انتصار أكتوبر( العاشر من رمضان), حيث خصها في الإعداد الجيد: فالنصر بداية ونهاية بيد الله ولكن الله جعل للنصر أسبابا وعوامل لا بد من الأخذ بها في شتي المناحي والاتجاهات,(.. وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة...), وبالتالي كل ما يؤدي إلي تقوية الأمة, هو مطلوب سواء أكان صغيرا أم كبيرا, فالإعداد الإيماني قوة, والسلاح قوة, والتعليم قوة, والأقمار الصناعية قوة, والجهود البشرية قوة, والاستثمار الاقتصادي قوة,... إلخ. والدعاء والتضرع إلي الله تعالي بالنصر: إن الدعاء سلاح قوي, يوثق صلة الإنسان بالله, ويشد من أزره, ويرفع من شأنه, ويجعله يقدم علي المعركة بدون خوف أو تردد, فهو يدرك أنه منصور في كل الأحوال, إما بالنصر أو الشهادة, لقد ظل رسول الله يدعو ربه كثيرا قبل معركة بدر ويلح علي ربه اللهم نصرك الذي وعدت فنصره الله: إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم فقبل الله الاستغاثة. وكذلك الوحدة والاعتصام أساس النصر; فقوة كل أمة تكمن في وحدتها وتماسك أفرادها, وما دامت الأمة متحدة ورباطها وثيقا, فلن يستطيع أحد مهما كانت قوته أن يهزمها, أو يعيق حركتها, مصداقا لقول الله تعالي: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا. وأيضا الإيمان بالله وكثرة ذكره.. فإذا كانت الأسلحة النارية الحديثة وسيلة قوية لكسب المعارك وبث الطمأنينة في نفوس الجنود, فإن السلاح الأقوي والأشد منها, هو تعلق القلب بالله وذكره- جل علاه- في هذه اللحظات الحالكة وتلك الأوقات العصبية,(.. ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون). وفي هذا الصدد, يقول د. حسني أبو حبيب وكيل وزارة بالأوقاف: لقد كانت صيحة المصريين الله أكبر النداء المدوي الذي بث الأمل في النفوس, وأدخل الاطمئنان في القلوب, وبعث الحياة في الروح.. وفي الوقت ذاته, كانت هذه الصيحة بمثابة الزلزال الذي دمر قلوب العدو, وشل حركتهم, ودك حصونهم, وأذل نفوسهم, وكسر كبرياءهم; فبعد أن كانوا يطلقون علي أنفسهم( الجيش الذي لا يقهر) أصبحوا الجيش الذي لا يقدر علي المواجهة والمجابهة,(... وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب...). ولفت د. حسني أبو حبيب إلي أن التكبير الذي ملأ أركان المعركة يدل علي مدي الإيمان العميق في النفوس, فكان بحق أعظم مدد لقلوب الجنود المصريين, وأقوي سهم ضرب في نفوس العدو.. فالإيمان الصادق, والعمل الصالح, أساس النصر والفلاح في كل وقت وحين, إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. ويقول الشيخ محمد رمضان بهنساوي( إمام وداعية بالأوقاف): حرب العاشر من رمضان عام1393 ه السادس من أكتوبر عام1973 أعادت لنا عزتنا وكرامتنا فيما قضت علي أسطوره الجيش الذي لا يقهر.. ولنا في تلك الحرب بعض الدروس والعبر; منها أن النصر مع الصبر; وهذا ما علمنا إياه النبي صلي الله عليه وسلم حين قال:( واعلموا أن النصر مع الصبر), فالصبر وإن كان مرا في بدايته إلا أن عاقبته أحلي من العسل. كما قدمت مصر في هذه الحرب من أبنائها كثيرا من الشهداء ضحوا بانفسهم فداء لوطنهم, ورخصت عندهم أرواحهم إرضاء لربهم وإرجاعا لأرضهم, لقد ماتوا لنحيا نحن, وهم في الحقيقة أحياء عند ربهم, فلا نحزن علي شهدائنا بل نفرح لهم ونتمني أن نلقاهم في جنات الفردوس أجمعين. وقال ففي هذه الذكري العزيزة كلما مرت علينا وجب علينا أن نفرح بها, وهذا من سنة النبي صلي الله عليه وسلم أن يفرح بالنعمة ويشكر ربه عليها.. وأن الظلم لا يدوم; فهذا العدو الإسرائيلي عندما احتل أرضنا لم يكن له في ذلك أي حقوق تاريخية ولا دينية, وإنما اعتداء وظلم وتجاوز لحق غيره; لذلك كتب الله النصر للمظلوم وجعل عاقبة الظالم خسرانا مبينا..( و أيضا الاتحاد, فبلدنا العزيزة لما اتحدت مع شقيقاتها من الدول العربية والإسلامية مثل سوريا والسعودية كتب الله لهم النصر مجتمعين. ( وأضاف أن الصبر لعب دورا كبيرا في هذا النصر فمن المعلوم أن حرب أكتوبر كانت في شهر رمضان, والصوم يعلم الصبر, فاجتمع في تلك المعركة نوعان للصبر, صبر الجهاد والمجاهدة, جهاد العدو ومجاهدة النفس, ما جعل النصر حليفا للصائمين الصابرين.. إن الشجرة المثمرة تحتاج إلي وقت حتي يجني الإنسان ثمارها, فإذا تعجل ولم يتعهدها بما يحفظها ويصبر عليها لم يجن شيئا, كذلك جهاد العدو, حتي تجني النصر; لا بد من الصبر وتحمل المشاق والصعاب في سبيل الوصول إليه.