تحت عنوان التنين الصيني يوسع نفوذه في أدغال إفريقيا نشرت مجلة فورين افيرز الأمريكية تقريرا أشارت فيه إلي أن السياسات الأمريكية المتخبطة خاصة في عهد الرئيس ترامب سمحت للتنين الصيني بالتوغل في القارة السمراء عبر مسارات كثيرة أبرزها المشاريع الكبري والاستثمارات التي تقدر بالمليارات والقواعد العسكرية التي تبنيها في تلك القارة, وهو ما يؤكد أن البساط بدأ ينسحب من تحت أقدام بلاد العم سام والتي ظلت لسنوات طويلة تتمتع بنفوذ ومكانة كبيرين في تلك القارة. وأكدت المجلة أن سياسات ترامب الفاشلة كانت وراء الفتور الذي بدا علي العلاقات الأمريكية الإفريقية, إذ تأخر ترامب كثيرا حتي قرر منذ أيام قليلة تعيين مساعد لوزير الخارجية الأمريكي للشئون الإفريقية, فضلا عن ارتكاب حكومته جملة من الأخطاء الدبلوماسية في علاقاتها مع القارة, مثل ازدراء رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي ومعاقبة رواندا لفرض رسوم جمركية علي الملابس المستعملة من الولاياتالمتحدة. وقالت إن الولاياتالمتحدة فشلت في إقامة أي نوع من الشراكة مع إفريقيا, في الوقت الذي تساءل فيه قادة القارة عن مستقبل العلاقات بين الولاياتالمتحدة والقارة في عهد ترامب الذي سبق ووصف دول القارة بالأوكار القذرة. ومع الاحتياج الصيني المتزايد للبترول, باعتبارها ثاني أكبر مستهلك له في العالم بعد الولاياتالمتحدة, أصبحت تسعي إلي تأمين وضمان مصادر تدفق الطاقة, وأصبح البترول أحد أهم محددات السياسة الخارجية الصينية, ومن هنا تحظي القارة الإفريقية باهتمام صناع القرار الصيني لذا سعت بكين إلي التقرب من دول القارة لتأمين تدفق البترول والحصول عليه من القارة الإفريقية. وارتفع حجم التبادل التجاري بين بكين والدول الإفريقية5 مرات خلال الأشهر الأخيرة وقفزت الاستثمارات الصينية المباشرة في القارة إلي64%. كما أعلنت الصين عن خططها ضخ حوالي60 مليار دولار في مشروعات تنمية بإفريقيا وذلك خلال قمة جوهانسبرج التي عقدت منذ3 أعوام تقريبا, ستشمل قطاعات الزراعة وبناء الطرق والمواني والسكك الحديدية وإسقاط الديون, فيما ارتفع إجمالي التبادل التجاري الصيني مع الدول الافريقية إلي17% أي ما يقرب من40 مليار دولار, وهو ما لم يحدث من قبل. وتهيمن الاتفاقات الضخمة في الموارد الطبيعية علي العلاقات التجارية للصين مع الدول الافريقية, وكان معظمها في مجال الثروة التعدينية والطاقة, ومن جانبها أكدت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية أن إجمالي القروض الصينية المستخدمة في تمويل الطاقة في إفريقيا منذ عام2000 بلغ34.8 مليار دولار, فضلا عن القروض الرخيصة التي منحتها للقارة لمساعدتها في إنعاش اقتصادها المتهالك, وتحسين أداء الخدمات المقدمة للمواطنين. ولم تكتف الصين بالتوسع الاقتصادي في القارة بل سعت إلي ان يكون لها قاعدة عسكرية علي الأقل, وبالفعل بدأت في إقامة أول قاعدة عسكرية لها في جيبوتي التي تحتل موقعا استراتيجيا, ورغم أن بكين تصفها بأنها منشأة لوجيستية, إلا أنها أثارت حفيظة واشنطن التي تتخوف من أن تؤدي القاعدة الصينية, دورا أكبر في العمليات العسكرية الخارجية للصين, خاصة أنها في مكان قريب من القاعدة الأمريكية ليمونييه القريبة من باب المندب وهو ما يثير مخاوف واشنطن بالرغم من التطمينات التي قدمتها بكين بعدم وصف القاعدة بالعسكرية, وإضفاء طابع التعاون اللوجيستي علي المشروع تفاديا لوقوع مشاكل بسبب تصادم المصالح. واعتبرت واشنطن بذلك ان الصين تغير من إستراتيجيتها وتدخل في صراع استراتيجي مع القوي الاقتصادية الكبري ذات النفوذ التقليدي في المنطقة, إذ تعد جيبوتي درة تاج القرن الإفريقي, ومضيق باب المندب أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها احتضانا لحركة السفن, إذ يربط المضيق بين البحر الأحمر وخليج عدن الذي تمر منه أكثر من25 ألف سفينة سنويا, تمثل ما يزيد عن7% من إجمالي حركة الملاحة العالمية. وتحتضن جيبوتي وحدها عدة قواعد عسكرية لدول كبري, أبرزها فرنسا, وأمريكا, واليابان, وأخيرا الصين, وتأتي القاعدة العسكرية الفرنسية في مقدمة القواعد العسكرية الأجنبية التي تحتضنها جيبوتي, حيث تعتبر أهم قاعدة عسكرية لباريس في القارة السمراء, ومهمتها هي حماية حركة التجارة الفرنسية عبر مضيق باب المندب, وحماية جيبوتي, المستعمرة الفرنسية السابقة من أي اعتداء خارجي. وبذلك يمكننا تأكيد أن الصين نجحت في استغلال التخبط الذي تعانيه السياسات الأمريكية للتوسع في القارة, وبالفعل نجحت شركاتها في أن تحل محل الشركات الأمريكية الكبري. وبالفعل يمكننا تأكيد أن الصين أصبحت أكبر شريك تجاري لإفريقيا ومصدرا للاستثمار الأجنبي المباشر مستغلة دبلوماسيتها الناعمة, والتي ظهرت جليا من خلال جولة الرئيس الصيني شي جين بينج الشهر الماضي لعدد من دول القارة لتوطيد العلاقات.