في عام1996, اتصل محرر صحفي شاب بالروائي الكبير ثروت أباظة ليأخذ رأيه في تحقيق, كانت الساعة تشير الي التاسعة مساء, وهو ما اعتبره الكاتب الكبير موعدا غير مناسب, فقال معنفا المحرر: انت عارف الساعة كام دلوقتي؟ الناس نامت بقالها ساعة. كان ثروت أباظة سليل العائلة الأباظية العريقة, والده دسوقي أباظة, وعمه فكري أباظة, وعم آخر هو عزيز أباظة, أسرة أدبية فكرية, وكان أباظة نموذجا لابن الناس المتربي( مولود في مثل هذا اليوم عام27 في الشرقية لوالد يمتلك آلاف الأفدنة). كان الموضوع الذي يريد المحرر الشاب أن يسأل أباظة عنه هو المكان المفضل بالنسبة له لكتابة ابداعه, فأخبره الروائي الكبير بأنه لا يكتب ابداعا الا في لوزان بسويسرا. وتساءل المحرر بينه وبين نفسه: كيف جلس الباشا في لوزان ليكتب عن قرية الدهاشنة؟ لابد أن في الأمر خطأ ما. بالطبع كان هناك خطأ, فالمحرر اعتمد علي فيلم شيء من الخوف المأخوذ عن رواية بالعنوان نفسه لأباظة دون أن يعرف أن في الأمور أمورا. ففي الستينيات كتب الروائي الكبير رواية شيء من الخوف التي لم تكن تمت بصلة للفيلم الذي شاهده المصريون فيما بعد, لم يكن فيها ذلك الحس الثوري المباشر الذي ألهب حماس الملايين, وعندما أراد حسين كمال اخراجها, أوكل كتابتها الي السيناريست صبري عزت, علي أن يكتب الأبنودي الأغاني, لكن الخال عبد الرحمن الأبنودي قلب الطاولة علي أباظة عندما أعاد كتابة الفيلم, ثم زاد بليغ الطينة بلة, بالنسبة لثروت, بتلحينه لصيحة بااااااطل الشهيرة, فأعجبت المخرج الصيغة الجديدة التي تبرأ منها أباظة, وقال ان الشيوعيين يريدون احراجه مع الرئيس عبدالناصر, وغادر البلاد( أكيد غادرها الي سويسرا). عبد الناصر حسم المسألة, ومنح الفيلم جائزة تسلمها أباظة, وظل لسنوات طويلة يفخر بأنه أول من واجه ناصر في عزه. تمدد أباظة في عصر السادات, وتمدد أكثر في عهد خلفه فتولي رئاسة تحرير مجلة الاذاعة والتليفزيون عام1974, ورئاسة القسم الأدبي بصحيفة الأهرام بين عامي1975 و1988, وظل يكتب فيها عموده الشهير يوم الاثنين, الذي خصصه غالبا لشتيمة عبدالناصر والناصريين واليسار كله, حتي وفاته, ومن المقالات الشهيرة له عندما كتب عن الرسائل المتبادله بين ماركس وستالين( توفي الأول قبل الثاني بنحو قرن). شغل أباظة رئاسة اتحاد الكتاب, وتولي منصب وكيل مجلس الشوري أحد مجلسي البرلمان المصري كما كان عضوا بالمجلس الأعلي للثقافة وبالمجالس القومية المتخصصة, ومجلس أمناء اتحاد الاذاعة والتليفزيون, ورئيس شرف لرابطة الأدب الحديث, وعضوا بنادي القلم الدولي. ومن المواقف الطريفة أن نادي القلم رشحه لجائزة نوبل1995, عندما فوضهم نجيب محفوظ لاختيار أحد الكتاب العرب للجائزة نيابة عنه, وبالطبع فانه خرج من الترشيحات الأولي, وتوفي عام2003 بعد معاناة مع السرطان, وربنا يرحم الجميع.