الاعتذار هو أدب اجتماعي في التعامل الإسلامي, ينفي عنك الكبرياء, وعن قلب اخيك الحقد والبغضاء, ويدفع عنك الاعتراض, أو إساءة الظن, حين يصدر منك ماظاهره خطأ فالاعتذار ينبع عن تواضع وانصاف ويدل علي حياء المخطئ وعدم مكابرته وقبول الاعتذار يعين علي الاعتراف بالخطأ, في البداية يقول الدكتور مصطفي السعيد بكلية اصول الدين بجامعة الأزهر: ورد الاعتذار في العديد من آيات القرآن الكريم منها, قال ان سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا وقوله تعالي يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ومن الأحاديث النبوية قوله صلي الله عليه وسلم) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم إياك وكل أمر يعتذر منه وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: التأني من الله, والعجلة من الشيطان, وما أحد أكثر معاذير من الله, وما من شيء أحب إلي الله من الحمد وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: عفوا تعف نساؤكم, وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم, ومن اعتذر إلي أخيه المسلم من شيء بلغه عنه فلم يقبل عذره, لم يرد علي الحوض, وقال الشاعر: إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه..وكان الذي لايقبل العذر جانيا, ويشير إلي أن الاعتراف بالذنب يظل خلقا نادرا في مجتمعاتنا الصغيرة( الأسر), وبالتالي في مجتمعنا الكبير!, فلا يزال الاعتراف بالذنب صعبا, ومستبعدا, لاعتبارات تربوية, وتقاليد نمطية متوارثة, لم تتنور بما شاع من علم ودين, أو بما بدأ ينتشر من وعي في مجتمعنا والاعتراف بالخطأ يظل خلفا نادرا, بسبب عدم تربية النشء عليه في أسرنا العربية, وقبول الاعتذار هو تحري الانسان محو أثر الذنب, مع إظهار ندم وأسف علي ما وقع منه تجاه الغير بأنه لايعود, ومن الحسن اعتذار المسئ, مع الاعتراف بالخطأ, وأحسن من ذلك قبول الاعتذار, وقال الشاعر: إذا اعتذر الصديق إليك يوما..من التقصير عذر أخ مقر فصنه عن جفائك واعف عنه.. فإن الصفح شيمة كل حر, والعاقل من يجانب ويحذر أن يقول قولا, أو يفعل شيئا يسئ به للغير يعتذر عنه لاحقا لهذا جاء في الحديث: إياك وكل مايعتذر منه(1), أي احذر أن تقول قولا أو تعمل شيئا تعتذر عنه غدا, ونصيحتي لكل مسئ أن يبادر بالاعتذار ويدع الاستكبار لينال عفو الغفار قال الحسن بن علي رضي الله عنهما لو أن رجلا شتمني في أذني هذه واعتذر الي في أذني الاخري لقبلت عذره, وقال الشاعر: قيل لي قد أساء إليك فلان..وقعود الفتي علي الضيم عار.. قلت قد جاءنا فأحدث عذرا..دية الذنب عندنا الاعتذار.ويقول ان الاعتذار بها المعني حسن, والأحسن منه أن تحذر من الوقوع فيما يجعلك مضطرا للاعتذار,فقد حل في الوصية الموجزة, من رسول الله صلي الله عليه وسلم لأبي أيوب الانصاري رضي الله عنه:- و لاتكلم بكلام تعتتذر منه غدا(1) فإن زلت قدمك مرة فإنه لا حليم إلا ذو عثرة, ولاحكيم إلا ذو تجربة(2) كما في الحديث وعندئذ فإن من التواضع ألا تكابر في الدفاع عن نفسك, بل إن الاعتراف بالخطأ أطيب للقلب, وأدعي إلي العفو. وتلقي الاعذار بطيب نفس, وبالعفو والصفح, يحض الناس علي الاعتذار, وسوء المقابلة للمعتذر, وتشديد اللائمة عليه يجعل النفوس تصر علي الخطأ, وتأبي الاعتراف بالزلل, وترفض تقديم المعاذير, فإن بادر المسئ بالاعتذار فبادر أنت بقبول العذر والعفو عما مضي لئلا ينقطع المعروف. ومن فوائد الاعتذار أنه يمحو الذنوب ويستجلب المنافع من المعتذر اليه والأصل ألا يقدم الانسان علي مايعتذر منه, فإن فعل الاعتذار يصفي القلوب ويرزق قابل الاعتذار مودة الله فهو أكثر معاذير من كل أحد ويرزق المعتذر والمعتذر إليه التواضع. والمسلم الذي يقبل العذر يقي الناس من الهلاك, ويقول الشيخ عبد المنعم علي خضرة, من علماء الأوقاف إن الاعتذار من الأخلاق الكريمة النبيلة التي أمرنا بها الاسلام خلق الاعتذار خلق نبيل وبرهان صادق ومحبة للقلوب وخلق كريم لايتمتع به إلا من كانت له فطرة سوية لم تفسدها التقاليد البالية والعادات المتعجرفة بحيث يأنف المتكبرون من الاعتذار عن الاخطاء التي يرتكبونها في غيرهم من الناس اعتقادا بأن ذلك سيجعلهم صغارا في أعين الناس ونسأل الذي لايريد أن يقبل الاعتذار لماذا لاتقبل عذر من اعتذر وقد قال الله تعالي في القرآن الكريم قالوا معذرة إلي ربكم ولعلهم يتقون( سورة الاعراف164) وقد قال صلي الله عليه وسلم لأبي الأيوب الانصاري ولاتتكلم كظم تعتذر منه عتذرا وقد ربي النبي صلي الله عليه وسلم أصحابه علي الاعتذار عند الخطأ وطبق ذلك علي نفسه. هذا سواد ابن غازية يوم أحد واقف في وسط الجيش قال النبي صلي الله عليه وسلم للجيش استووا واستقيموا فينطر النبي صلي الله عليه وسلم فيري سودا لم ينضبط فقال النبي صلي الله عليه وسلم استو ياسواد فقال سواد نعم يارسول الله ووقف ولكنه لم ينضبط فجاء النبي بسواكه ونغز سودا في بطنه وقال له استو يا سودا فقال سود أوجعتني يارسول الله وقد بعثك الله بالحق فأقدني فكشف النبي صلي الله عليه وسلم عن بطنه الشريف وقال اقتص يا سودا فانكب سودا علي بطن النبي صلي الله عليه وسلم يقبلها فقال النبي صلي الله عليه وسلم ما حملك علي هذا يا سود فقال يارسول الله حضرني ماتري ولم أمن القتال فأردت أن يكون أخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك فدعا رسول الله صلي الله عليه وسلم له بالخير. ويضيف أن للاعتذار قوة سحرية في تصفية الأجواء بل ربما كان وسيلة من وسائل دفع من أمامك إلي الاعتذار ومن فوائد الاعتذار تصفية القلوب والتواضع ويشجع علي فعل الخير ويؤلف بين الناس ويزيل الشحناء بين الناس. ولذلك علمونا الاعتراف بالحق فضيلة ولكن عندنا من يخطئ ولايعتذر بل يسوق المبررات والحجج والبراهين العقيمة علي أنه لم يخطئ وأصبح العذر أقبح من الذنب والعذر هنا ليس الاعتذار عن أسف وندامة ولكن محاولة تبريره. وقال سيدنا أبي ذر الغفاري رضي الله عنه حينما غضب عليه النبي صلي الله عليه وسلم بعد مقولته لسيدنا بلال بن رباح يابن السوداء فشكي بلال للنبي صلي الله عليه وسلم ما قاله أبو ذر فغضب النبي صلي الله عليه وسلم وقال يا أبا ذر انك امرؤ فيك جاهلية فبكي أبو ذر وقال يارسول الله استغفر لي ثم استرح رأسه في طريق بلال ووضع خده علي التراب قائلا لبلال والله يابلال لا ارفع خدي عن التراب حتي تطأه بقدمك أنت الكريم وأنا المهان وأخذ بلال يبكي واقترب وقبل خد أبي ذر ثم قاما وتعانقا وتباكيا لذلك وجب علي من جاءه أخوه معتذرا أن يقبل عذره ويسامح. وقال تعالي ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وقال صلي الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني عن ابن عباس ألا انبئكم بشراركم قالوا بلي إن شئت يارسول الله قال ان شراركم الذي ينزل وحده ويجلد عبده ويمنع رفده ألا انبئكم بشر من ذلك قالوا بلي إن شئت يارسول الله قال من يبغض الناس وهم يبغضونه قال أفلا أنبئكم بشر من ذلك قالوا بلي ان شئت يارسول الله قال الذي لايقيل عثرة ولايقبلون معذرة ولايغفرون ذنبا قال أفلا أنبئكم بشر من ذلك قالوا بلي يارسول الله قال من لايرجي خيره ولايؤمن شره. وعندما فتحت مكة توقع الأنصار رضي الله عنهم ميل النبي صلي الله عليه وسلم للإقامة مع قومه في مكة بعد الفتح فقالوا.. أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشريته. فقال النبي صلي الله عليه وسلم... كلا إني عبد الله ورسوله هاجرت إلي الله وإليكم فالمحيا محياكم والممات مماتكم فأقبلوا إليه يبكون ويعتذرون بأنهم قالوا ماقالوا لحرصهم علي إقامته معهم في المدينة... فقالوا والله ماقلنا الذي قلنا إلا لضن بالله ورسوله فقال صلي الله عليه وسلم... فإن الله ورسوله يصدقانكم ويقدرانكم نحتاج إلي نشر ثقافة الاعتذار حتي يأتي اليوم الذي نري فيه الإعلان الذي ينشر الاخبار الكاذبة يعتذر عن ذلك والكاتب الذي يكتب الاخبار الكاذبة والشائعات يعتذر لجمهوره والمدير المخطئ يعتذر لموظفيه والأستاذ يعتذر لتلاميذه.