قبل أيام, وبمبادرة من الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر اجتمع عدد من المثقفين وكبار علماء الأزهر, لدراسة مقتضيات اللحظة التاريخية الفارقة التي تمر بها مصر الآن وأصدروا بيانا حمل عنوان: بيان الأزهر ونخبة من المثقفين حول مستقبل مصر أثار جدلا ونقاشا علي صفحات الصحف, وفي البرامج التليفزيونية, لكنه كان مثار حوار أكثر عقلانية وهدوءا وانفتاحا في لقاء عقده منتدي الحوار بمكتبة الإسكندرية داخل بيت السناري الأثري بالسيدة زينب, عشية الاحتفال بمولد السيدة زينب رضي الله عنها. ومن حسن الحظ أن خمسة من المشاركين في إعداد الوثيقة, هم: الدكاترة صلاح الجوهري, وصلاح فضل, وسامح فوزي, ومحمد كامل, والكاتب الصحفي حلمي النمنم, تصدروا منصة الندوة وجميعهم من المهتمين بالحركة الثقافية, ومن المؤمنين بالدولة المدنية,التي جري التعبير عنها في البيان بمصطلح الدولة الوطنية. ورغم غرابة المصطلح, لكن بعد25 يناير, آن الأوان لنجد ما يتناسب وطبيعة الحياة الاجتماعية, والاقتصادية, والسياسية في مصر, بعيدا عن مصطلحات سابقة ثابتة في الوعي, لكن استخدامها المفرط ربما يأتي بنتائج عكسية, لذلك جاء مصطلح الدولة الوطنية, ليخرج البيان والندوة من ثنائية الدولة المدنية والدولة الدينية اللتين أخر الصراع بينهما مصر طويلا. استوقفتني, في الندوة والبيان, عدة أشياء منها ما يدعو للفخر, ومنها أيضا ما يدعو للتساؤل, أو ربما يثير شكوك الكثيرين لكن أهم ما في البيان, من وجهة نظري, أن من بين الموقعين عليه مسيحيين وهذا في حد ذاته إنجاز, حيث يجتمع أتباع الديانتين تحت سقف الأزهر, لصياغة وثيقة تبحث في المشتركات بين العقيدتين, إضافة إلي ابتعاد البيان عن الصيغ المألوفة للأزهر, مثل الاستشهاد بالآيات القرآنية, أو الأحاديث النبوية وبدا لافتا ان عدد المشاركين من المثقفين ربما ضعف عدد رجال الأزهر. ولعل أهم ما يلفت الانتباه في البيان, أنه لو تم حذف كلمة الأزهر الشريف من أعلي الوثيقة, سنجدها لا تختلف كثيرا عن أي وثيقة صادرة عن حزب سياسي, أو إحدي جمعيات حقوق الإنسان.. لذا لماذا الأزهر؟ هل للرد علي التيارات الجامحة التي ملأت الإعلام بعد25 يناير, وأصبحت لا ضابط, ولا رادع لها, أم محاولة لاسترجاع دوره بعد اختراق السلفيين, والوهابيين, وأيضا الإخوان لصفوفه, وتخلي الأزهر عن روحه الوسطية. الوثيقة في حد ذاتها لم تأت بجديد, ويظل سؤال واحد يطرح نفسه: إذا كنا نبحث عن دولة وطنية, أو مدنية, أو دولة لا يكون الدين هو مرجعيتها الوحيدة فلماذا خرجت هذه الدعوة من الأزهر, حتي ولو كان من أعدوا الوثيقة ليسوا من علماء الأزهر؟.. ولمذا لم تشارك الكاتدرائية في مثل هذا الأمر؟... أليسوا مواطنين, من حقهم المشاركة, خاصة أنه يصعب فصل الدين عن الحياة, في بلد مثل مصر يعد فيه رجل الدين الأكثر التصاقا بالمواطن, خاصة في الريف, حيث القوي الحقيقية والأكبر التي تصوت في أي انتخابات. الوثيقة, ايضا, لم تتوسع في إيضاح مفهوم المواطنة والرد علي كثير مما تشيعه الجماعات الجامحة, التي للأسف تجد صدي لخطابها, لا يستهان به, خاصة فيما يتعلق بحق الدفاع عن الوطن, أو تقلد المناصب القيادية. وفي أحد بنود الوثيقة نص علي احترام الديانات السماوية, لكنها لم تتعرض للعقائد الوضعية, التي يدين البعض بها ولم يتضح منها موقف الأزهر من حرية تغيير الديانة, إضافة إلي كثير من الإشكاليات المتعلقة بالاقتصاد الحر والاسلامي مثلا وكنت اتوقع ان تقترح الوثيقة حذف خانة الديانة من الرقم القومي, وألا يعلن عن الدين إلا عند الاحتياج له, وبشهادة منفصلة عن البطاقة الشخصية. ورغم ان البيان أو الوثيقة الصادرة عن الأزهر ومجموعة المفكرين والمثقفين تبنت مفهوم الدولة المدنية, فإن كلمة المرجعية الإسلامية في التشريع جاءت أكثر من مرة دون توضيح المغزي المنوط به كما ان عبارات, في البيان, مثل إحياء علوم الدين وفقه الأولويات فضفاضة يمكن ان تحمل أكثر من وجه. وفي النهاية هل هذه الوثيقة أو البيان بديل عن الدستور؟أم هي مجرد جهود, ومساع مشكورة للأزهر والمشاركين؟ في تصوري أن الأيام القادمة ستجيب علي كثير من هذه التساؤلات, وإن كانت هذه الاسئلة المعلقة لا تمنع الإشادة بجهد الأزهر والمثقفين, في تقديم رؤية لمستقبل مصر, تقبل الاتفاق, كما تقبل الاختلاف ولعل ما دار ويدور حولها من حوار دليل علي حيوية جديدة داخل المؤسسة الدينية, وعن علاقة أتمني أن تتوطد بين الأزهر والمثقفين.