علي وقع الاحتجاجات واستمرار قرع الأواني الفارغة في أنحاء أثينا, تواصل حكومة اليونان المضي قدما في خطتها للتقشف, رغم المخاوف المتزايدة من اضطرابات اجتماعية وسياسية غير مسبوقة في هذا البلد الأوروبي. الذي يجاهد للخروج من أزمته المالية وتفادي التعثر في سداد مديونيته ومن ثم تجنب دعم مؤسسات المال الدولية. وبينما تتزايد المخاوف من انتقال عدوي الأزمة إلي مناطق أخري مرشحة للدخول في نفق هذه الأزمة تتوالي التحذيرات من أزمة اقتصادية عالمية لا يمكن أن تقف عند حدود اليونان, وتهدد في الوقت نفسه اقتصاد الثورات بدول تسعي إلي لملمة أمورها مثل مصر وتونس. أما الأوروبيون, فيخشون انتقال العدوي إلي دول أخري مثقلة بالديون في منطقة اليورو مثل بلجيكا والبرتغال وربما اسبانيا. وبينما يعتقد البعض أن روشتة الدواء المر التي وصفها صندوق النقد الدولي ستقدم علاجا للأزمة رغم التقلصات والآلام, إلا أن كثيرين يرون أن اليونان ربما تسير علي خطي الأرجنتين التي تخلفت عن سداد ديونها عام2001 وأبعدت عن الأسواق العالمية. وقد ربط الاتحاد الأوروبي اقرار خطة التقشف من قبل البرلمان بقروض ومساعدات تقدر بنحو110 مليارات يورو, قد تكون بمثابة طوق النجاة للحكومة اليونانية التي ستنفذ سيولتها المالية خلال أيام. وعلي خلفية الأزمة المتفاقمة, شهدت حكومة اندرياس باباندريو التي تشغل155 مقعدا من مقاعد البرلمان البالغ عددها300 مقعد خمسة انشقاقات منذ أن جاءت إلي السلطة في أكتوبر2009, حيث تأكد بالأرقام أن اقتصاد اليونان يعاني أسوأ ركود منذ عام1974, بينما تجاوز معدل البطالة نسبة40%, وهو الأمر الذي تطلب برنامجا عاجلا وقاسيا للتقشف وزيادة الضرائب وبيع مشروعات مملوكة للدولة. وقد خفضت الحكومة بالفعل رواتب القطاع العام20% ورفعت سن التقاعد للنساء وخفضت المعاشات أكثر من10% وقلصت عدد الوظائف الحكومية المؤقتة. ويحظي برنامج التقشف المطلوب من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي بسمعة سيئة للغاية في أوساط اليونانيين, الأمر الذي فتح باب الاضرابات والاحتجاجات علي مصراعيه, وبات مشهد قرع الأواني الفارغة في اشارة الي الجوع أمرا عاديا ومتكررا في شوارع أثينا. وقد أظهر استطلاع للرأي أجري الشهر الماضي أن80% من اليونانيين يرفضون القيام بأي تضحيات أخري للحصول علي مساعدات الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد. ومن بين الشركات الكبري التي تشهد سلسلة من الاحتجاجات والاضرابات تظهر شركة الكهرباء الرئيسية التي تقرر البدء بخصخصتها العام المقبل, في إطار خطة التقشف والاصلاح التي طلبها الأوروبيون وصندوق النقد. وقد قبلت حكومة اليونان بالفعل حزمة من قروض الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي قدرها110 مليارات يورو في مايو2010 ولكنها تحتاج الآن لصرف حزمة ثانية, من هذه الأموال للوفاق بالتزاماتها المالية حتي عام2014, حيث تأمل أن تعود في ذلك العام إلي السوق الرأسمالية للحصول علي التمويل والبدء بسداد ديونها السيادية. وتبدو محاولات شرح خطة التقشف للجماهير الغاضبة عملا صعبا للغاية فالناس لا تعنيهم النظريات الاقتصادية ولا الخطط والبرامج بقدر ما يعنيهم قدرة الأموال التي في جيوبهم علي تلبية الحد الأدني من الاحتياجات الأساسية, فضلا عن تراجع قدرة الأغنياء عن الوفاء بمتطلبات الرفاهية التي باتت بنظرهم أمرا لا يمكن الاستغناء عنه. كبش الفداء ولم يجد باباندريو من إجراءات لمواجهة الأزمة سوي التخلص من وزير ماليته جورج باباكونستانتينو الذي يوصف بأنه مهندس برنامج التقشف, حيث عين بدلا منه ايفانجيلوس فينيزيلوس الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع, وقد ثارت علامات استفهام بشأن غموض رؤية الوزير الجديد الاقتصادية, حيث لا يعرف عنه سوي أنه يدرس القانون, وكان في الفترة من2001 إلي2004 مسئولا عن الاستعدادات لدورة الألعاب الأوليمبية التي أقيمت في أثينا.2004 وقال باباندريو في أول كلمة إلي مجلس وزرائه المعدل إن وزير المالية الجديد يتيح كل الضمانات لتنفيذ برنامج مؤلم وصعب لتغييرات هيكلية كبيرة ستعيد الحيوية إلي الاقتصاد. أما الوزير الجديد فظهر قلقا وأقر بأنه تشكك في قبول المنصب, ولكنه قال يجب انقاذ البلاد وسيتم انقاذها. وتبدو حكومة اليونان هنا بين مطرقة الضغوط الأوروبية مع صندوق النقد, وسندان الجماهير الغاضبة التي خرجت للشارع وربما لا تعود قبل أن تعصف بحكومة باباندريو وتبعث برسالة قوية إلي مؤسسات المال الدولية وإلي الاتحاد الأوروبي ومن ورائه الولاياتالمتحدة, مؤداها أن البطون الفارغة ستدفع بركان الغضب إلي نهايته وأن علي الرأسمالية العالمية أن توقف أساليبها لاستغلال الشعوب وتجويعها لمصلحة حفنة قليلة ممن يعتقد بأنهم أطراف مؤامرة كبري ضحيتها فقراء العالم.